من مقاصد الشريعة الإسلامية إزالة الأضرار التي قد تلحق بالمسلمين في دينهم ودنياهم، وأصل هذه القاعدة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» رواه مالك وأحمد، ولهذا الحديث - رغم قصره - معانٍ متعددة، منها أن معنى (لا ضرر) أنه لا يجوز لأحدٍ أن يبتدئ أحداً بمضرة، وأما (لا ضرار) فمعناها أنه لا يجوز أن يقابَل الضرر بضرر آخر، ومنها أن معنى (لا ضرر) الضرر الذي لك فيه منفعة، وعلى الآخر فيه مضرة، وأما (لا ضرار) فمعناها الضرر الذي ليس لك فيه منفعة، وعلى الآخر فيه مضرة. ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة قول الله عز وجل: «والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده»، ومعنى الآية باختصار أن الأم ترضع ولدها سنتين كاملتين، ويجب على الأب أن ينفق عليها ويكسوها حسب العرف، ولا يجوز للأم أن تمتنع عن رضاعة ولدها لتضر أباه بتربيته، ولا يجوز للأب أن ينتزع الولد منها ليضرها بفراقه. ومن الأمثلة أيضا لهذه القاعدة موضوع الاحتكار والتسعير، والاحتكار يعني أن يحبس التاجر السلعة - مع حاجة الناس إليها - ليرتفع ثمنها، والتسعير يعني أن يحدد ولي الأمر سعرا محددا للسلعة، ولكل من الاحتكار والتسعير تفصيل. وملخصه أن الاحتكار محرَّم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ» رواه مسلم وأحمد، ومعنى الخاطئ الآثم العاصي، وقد قصر بعض العلماء حرمة الاحتكار على أقوات الناس، وتوسع علماء آخرون على ما يحتاجه الناس، والحكمة في تحريمه دفع الضرر عن الناس كما قال النووي في شرح صحيح مسلم، ثم قال: «كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام، واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره، أجبر على بيعه دفعا للضرر عن الناس». أما التسعير فقد يقع بسببه ظلم على التاجر أو المستهلك، ودليله أن السعر غلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله سعِّر لنا، فقال: «إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، ومعنى الحديث أن التسعير قد يكون فيه ظلم للتجار إذا كان التسعير أقل من القيمة، وقد يكون فيه ظلم للناس إذا كان التسعير أكبر من القيمة بكثير، ولكن بعض العلماء استندوا إلى حديث القاعدة: «لا ضرر ولا ضرار» إلى جواز التسعير عند الحاجة بشرط التحقيق والتدقيق.