الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،،، لهذه القاعدة تعلق بالقاعدة السابقة التي تنص على أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا ورد تحريمها في الشرع، فقد حصل بين العلماء سجال طويل في إدخال العبادات ضمن الأشياء التي تباح بالأصل، فمنهم من يرى أن أي جزئية عبادة لا تكون مشروعة إلا إذا ورد الشرع بها،ومنهم من يكتفي بورود أصل العبادة في الشرع ليحكم على جزئياتها بالمشروعية،وبالمثال يتضح المقال. لقد ورد في الإسلام تشريع عدد من العبادات كالوضوء والصلاة والصوم والدعاء والأذكار والرقية وقراءة القرآن، فهل يجوز الإتيان بهذه العبادات مع التقييد بزمان أو مكان أو مناسبة أو عدد، كمباشرة الوضوء بعد الحدث، ومباشرة الصلاة بعد الوضوء، وقراءة سورة الإخلاص في كل ركعة في الصلاة، والدعاء والأذكار بألفاظ غير مأثورة، والاستشفاء بآيات قرآنية مخصوصة، وصوم أيام الإجازة الأسبوعية، والمواظبة على عدد معين من الركعات كل يوم بين الظهر والعصر، وغير ذلك. إن بعض الأمثلة السابقة ورد أن بعض الصحابة رضي الله عنه أقدم عليها قبل تقرير جوازها شرعا، الأمر الذي يعني أنهم لم يكونوا يشعرون بالحرج في الإقدام عليها، ثم أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليها، الأمر الذي يدل - حسب رأي بعض العلماء- على جواز الإقدام على بعض العبادات مقيدة بزمان أو مكان أو مناسبة أو عدد ما دامت العبادة مشروعة في الأصل. ولذلك فقد ناقش بعض العلماء القاعدة المشهورة القائلة: «لا قياس في العبادات»، وصححوها إلى: «لا قياس في التعبديات»، والفرق بينهما أن الأمور التعبدية هي التي لا تدرك علتها، وبالتالي لا يمكن القياس عليها؛ لأن القياس فرع عن التعليل، كأعضاء الوضوء وأعداد الصلوات الخمس وأعداد ركعاتها وأنصبة الزكوات وأعداد مرات الطواف والسعي ورمي الجمار وما شابهها. أما العبادات التي تدرك علتها، بحيث يمكن الاجتهاد في مسالكها، فهي محل الخلاف بين العلماء في جواز إجراء القياس فيها دون الحاجة إلى توقيف صريح، فأكثر الفقهاء والأصوليين يرون جواز القياس في هذه الحالة، فقد قاسوا كلَّ قالع للنجاسة على الحجارة في الاستجمار،وسلِسَ البول على المستحاضة في وجوب التحفظ والتطهر، والصلوات ذات السبب المتقدم على بعض السنن التي أداها أو أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقات النهي، والمغمى عليه على المجنون في سقوط قضاء الصلاة، وكلَّ ما يقتات ويدخر من الحبوب على الحنطة والشعير في وجوب الزكاة، وصوم النذر والكفارة على صوم رمضان في وجوب تبييت النية.