تساؤلات عدة في إسرائيل حول الوجهة التي ستتخذها الحكومة المقبلة في ظل ما أفرزته الانتخابات البرلمانية من نتائج أمس الأربعاء، بعدما كشفت النتائج الأولية عن انقسام حاد في إسرائيل بشأن المستقبل، عكسه صعود قوى الوسط واليسار والقائمة العربية على حساب قوى اليمين واليمين المتطرف، لتجد إسرائيل نفسها عشية إعلان النتائج، عند مفترق طرق حاد، أصبح معه بنيامين نتنياهو الذي سيتم تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة من قبل الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس، باعتبار أن جبهته (الليكود- بيتنا) هي الحائزة على أكثرية المقاعد (31 مقعدًا) مضطرًا إلى تشكيل ائتلاف واسع تصبح المواقف المبدئية معه غائمة، والسياسات فضفاضة، والحسم عسيرًا، في عام كان يظن نتنياهو أن أمامه فيه مهاما جساما، وبخاصة فيما يتعلق بحسم الملف النووي الإيراني، وترقب ما قد تفرزه الأحداث في سوريا المجاورة. يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية حلمي موسى ل «المدينة» (قبل ساعات فقط من ظهور النتائج الاولية للانتخابات الإسرائيلية)لا أحد يستطيع قراءة المشهد الإسرائيلي بصورته بالمستقبل القريب من دون أن يأخذ بالحسبان ما جرى ويجري في المنطقة العربية من تغيرات وما يحدث في العالم عموما من أزمات. وقد تبين في الأشهر الأخيرة، وخصوصًا في حرب غزة والخطوة الفلسطينية في الأممالمتحدة أن سرعة التغيير في العالم تتزايد وأن قسما من التغيير يعود أيضا إلى تزايد التطرف الإسرائيلي، وتشهد على ذلك المواقف الإسرائيلية الأخيرة من الاستيطان وتعزيزه في الضفة الغربيةوالقدسالمحتلة، تارة باسم الرد على الخطوة الفلسطينية في الأممالمتحدة، وتارة باسم الحق الطبيعي في الاستيطان في أرض إسرائيل الكاملة وفي القدسالمحتلة خصوصا. وكانت هذه الخطوات كفيلة بزيادة الغضب الدولي الذي تجلى ليس في بالاكتفاء بالتنديد، وإنما بالتفكير بصوت عال في اتخاذ خطوات عقابية، وصار كثيرون بإسرائيل يخشون من أن تقود إلى عزلة دولية. وأيا ما يكون الحال فإن الواضح هو أن ما كان يعرف بوسط اليسار في إسرائيل، خصوصا حزب العمل، صار يخشى على وجوده من مجرد التمسك بشعارات التسوية الإقليمية والسلام مع الفلسطينيين. فالجمهور الإسرائيلي المنقسم بين يمين متطرف ويمين أشد تطرفا لم يعد لديه متسع للاستماع إلى أي طروحات تدعو للتفاوض مع العرب وتعني عمليا الاستعداد للتخلي عن أجزاء «من أرض إسرائيل». وهكذا، وبعد أن كان خطاب بار إيلان، بوابة دخول اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو منهج التسوية السياسية ترسخ الانكفاء عن هذا النهج في الانتخابات الحالية. ف «الليكود» نفسه خضع لعملية تطرف شديدة، تمثلت ليس في حصول أنصار موشي فايغلين، وهم أيضا أنصار أرض إسرائيل الكاملة، على ربع أصوات أعضاء «الليكود»، وإنما في تحولهم إلى كتلة تضع على رأس القائمة للكنيست النشطاء الأشد تطرفا وتبعد من تعتبرهم معتدلين. وهكذا تحول جدعون ساعر، وجلعاد أردان وأمثالهما، وهما لا يخفيان اشمئزازهما من حل الدولتين، إلى أبرز قادة «الليكود». لذلك لم يكن موضع جدال أن يرفض «الليكود» مجرد مناقشة أمر إدخال خطاب بار إيلان، وبالتالي حل الدولتين، في برنامج «الليكود - بيتنا» الانتخابي. فانضمام أفيغدور ليبرمان وحزبه، «إسرائيل بيتنا»، إلى القائمة الموحدة خلق ظروفا تعزز تطرف هذا المعسكر. لكن لأن التطرف لا يقف عند حد، سرعان ما نشأ في معسكر اليمين نزوع أكبر للتطرف يتمثل حقيقة في اعتبار المستوطنين طليعة الكفاح الصهيوني ورأس حربته في المواجهة. وهكذا لم تعد مصلحة إسرائيل عموما هي الفيصل في اتخاذ المواقف التي تتناسب مع التغيرات الإقليمية والدولية بل صارت مصلحة الاستيطان هي الفيصل، ولهذا تعززت بشدة قوة حزب «البيت اليهودي»، حيث صار الحديث يدور عن قوة ثالثة بعد «الليكود» و«العمل». وبديهي أن ما نشأ على هذه الخلفية من صراعات في معسكر اليمين التقليدي قاد إلى تشكل معسكر أكثر تطرفا على يمين معسكر اليمين التقليدي. ويرى كثيرون أن الصراع الدائر حاليا في معسكر اليمين التقليدي بين كل من الليكود - بيتنا، وشاس، والبيت اليهودي، قد يترك آثارا مهمة في المستقبل القريب. وكان رئيس الكنيست الليكودي رؤوفين ريفلين، قد تكهن بشكل مفاجئ بأن حكومة نتنياهو لن تكون مستقرة في المستقبل القريب وأن الأمر قد يضطر الإسرائيليين إلى التبكير بانتخابات جديدة في أقرب وقت. قبل ساعات من بدء التصويت كان نتنياهو يعلن صباح مساء أنه ليس في وارد السماح للوسط، لا لحزب العمل ولا لتسيبي ليفني أو يائير لبيد، بلعب أي دور سياسي في الحكومة المقبلة. وهذا يعني أنه لا يريدهم شركاء، لكنه سارع فور ظهور النتائج الأولية إلى التعهد للإسرائيليين بأنه سيعمل على بناء ائتلاف موسع قدر الامكان، لن يستطيع بدون تشكيل حكومة برئاسته. وكان كثيرون يعتقدون قبل ساعات فقط أنه رغم حدة الجدال الحالي بين «الليكود - بيتنا» و«البيت اليهودي»، فإن نتنياهو لا يملك ترف التحالف مع الوسط. فاليمين الأشد تطرفا يعشش أصلا داخل حزبه ويحول دونه والتحالف مع الوسط. وأصلا يصعب أن يتحالف نتنياهو وليبرمان مع الوسط لأن أيديولوجيتهما تتعارض مع مثل هذا التحالف. وربما أن نتنياهو سيحاول المراهنة على التحالف مع الوسط لابتزاز شروط أفضل من «البيت اليهودي» و«شاس» بعد ظهور نتائج الانتخابات. لكن جل هذه المسائل مربوطة أساسا بمدى صحة استطلاعات الرأي التي تمنح «البيت اليهودي» و«شاس» و«عوتسما» لإسرائيل القدرة على تشكيل معسكر قومي ديني أشد تطرفا من الناحية الأيديولوجية من معسكر اليمين القومي ممثلا حاليا ب «الليكود - بيتنا» بزعامة نتنياهو. لكن مهما كانت النتائج فإن من شبه المستحيل أن يشهد الكنيست المقبل قدرة على تغيير مسار النزوع الحالي نحو التطرف، وهذا يعيد إلى الواجهة حاجة الواقع الإقليمي الراهن إلى إحداث صدمة عسكرية أو سياسية يمكن أن تقود فعلا إلى تغيير الوجهة الراهنة في إسرائيل. وفي دراسة للباحث نبيل السهلي الذي يرى أنه بعد حلّ الكنيست الإسرائيلي الخامس عشر يوم الاثنين 15/10/2012 وتحديد موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة المبكرة في يوم 22/1/2013، برزت أسئلة عديدة عن خصائص النظام السياسي الإسرائيلي والعوامل المؤثرة في اتجاهات تطور المشهد الإسرائيلي، فضلًا عن التكتلات الحزبية التي تشكل الأطياف السياسية في إسرائيل، وتداعيات نتائج الانتخابات على الفلسطينيين في ظل تسارع النشاط الاستيطاني في عمق الأراضي الفلسطينية وخاصة في مدينة القدسالمحتلة. واللافت أن الانتخابات الإسرائيلية للكنيست تأتي في ظل احتجاجات اجتماعية متزايدة في إسرائيل تتصدرها الاعتبارات الأمنية والقلق المتزايد من اقتراب امتلاك إيران القوة النووية، ناهيك عن تحولات إقليمية ودولية ستفرض نفسها بشكل مباشر على شكل التكتلات والقوى السياسية في إسرائيل، وعلى الخيارات والقرارات والأولويات التي ستكون على أجندة عمل الحكومة الإسرائيلية القادمة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. يلاحظ المتابع للشأن السياسي الإسرائيلي أن ثمة خصائص أساسية وبارزة للنظام الحزبي الإسرائيلي في المقدمة منها كثرة التشظيات والاندماجات الحزبية وتشكيل تكتلات قبل كل انتخابات إسرائيلية عامة للاستحواذ على مقاعد أكثر من أصل 120 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي. ويلحظ المتابع أن الائتلافات والتكتلات عادة ما تحصل بين أحزاب من طيف سياسي واحد له أهداف ومواقف متقاربة من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل، والثابت أن غالبية التكتلات تتآكل مع مرور الوقت، أو تتم عملية اندماج فيما بين أحزابها المختلفة خاصة عند تشكيل قوائم لخوض الانتخابات العامة في إسرائيل. فحزب العمل -على سبيل المثال لا الحصر- وهو الحزب الذي قاد إسرائيل لسنوات عديدة كان محصلة سلسلة طويلة ومعقدة من الاندماجات بين أحزاب المعسكر اليساري، في حين تشكل حزب «الليكود» عبر ائتلاف بين أحزاب اليمين والوسط مع بعض أفراد حزب «العمل» كانوا انشقوا عن حزب العمل وأيدوا فكرة أرض إسرائيل الكاملة، وقد سطع نجم تجمع «الليكود» بعد فوزه في انتخابات صيف عام 1977، الأمر الذي أتاح بعد التاريخ المذكور الفرصة للأقلية العربية وأحزابها المختلفة دخول اللعبة الانتخابية في إسرائيل. ومع صعود الأحزاب الدينية الشرقيةوالغربية ممثلة بحركتي شاس والمفدال إلى واجهة العمل السياسي في إسرائيل في عقد التسعينيات من القرن المنصرم، باتت الخريطة السياسية تتشكل من أربعة أطياف رئيسية منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وهي: تكتل حزب العمل وحلفاؤه، وتكتل حزب الليكود وحلفاؤه بما فيها حزب إسرائيل بيتنا الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان، فضلًا عن الأحزاب الدينية الغربيةوالشرقية، وتكتل الأحزاب العربية. وبعد تشكيل أرييل شارون -الميت سريريًا- لحزب كاديما المنشق عن الليكود في نهاية عام 2005 أصبحت الخريطة السياسية في إسرائيل تتشكل من خمسة تكتلات رئيسية إضافة إلى أحزاب كثيرة في خارج التكتلات. وقد تتم عمليات انشقاقات كبيرة في داخل صفوف الأحزاب والتكتلات المذكورة وتشكيل أحزاب أخرى لخوض الانتخابات الإسرائيلية التي بدأت الثلاثاء الماضي. على خلفية الهاجس الأمني في المجتمع الإسرائيلي تمّ الإعلان عن تحالف غير مسبوق بين بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان في قائمة انتخابية واحدة، وهو التحالف الذي يسعى للسيطرة السياسية. وأشار محللون سياسيون في إسرائيل إلى أن التحالف المذكور قد يشكل الخطوة الأولى نحو تشكيل حكومة حرب في إسرائيل، بحيث تكون أولوياتها خيار الحرب مع إيران في المقام الأول، وكذلك الإبقاء على عدوان مستمر على قطاع غزة، وهذا ما نجح فيه نتنياهو حيث أرسل رسالة للمواطن الإسرائيلي أنه هو القادر على هذا القرار لكنه يحتاج إلى تفويض شعبي من جديد للحفاظ على أمن وبقاء إسرائيل وصيرورتها، وأن هذا هو الهدف الأسمى من تشكيل حكومته القادمة، وهو التوجه نفسه الذي يحمله أفيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا. لكن ما جاءت به النتائج قد يشير إلى رغبة الناخب الإسرائيلي في حكومة تعكف على ايجاد حلول لمشكلات اجتماعية واقتصادية داخل إسرائيل وليست خارجه في الجوار او في طهران. ومن الأهمية الإشارة إلى النشاط السياسي للأقلية العربية في إسرائيل، فعلى الرغم من دخول العرب لعبة الحياة السياسية في إسرائيل فإنهم غير ممثلين حتى اللحظة بنفس ثقلهم البشري، ففي حين يشكلون نحو 20% من سكان إسرائيل لا يستحوذون إلا على عشرة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي الخامس عشر المنحل، وهم قد حصلوا في انتخابات أمس على اثني عشر مقعدا، اي ما يساوي عشرة بالمائة من مقاعد البرلمان، وهو ما يقل كثيرا عن نسبتهم بين السكان حيث يمثلون 20%. وتتركز الأهداف الرئيسية للأحزاب العربية حول قضايا مطلبية للأقلية العربية في إسرائيل بشكل رئيسي، ناهيك عن شعارات عامة تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويلحظ المتابع لتطور الأحزاب العربية في إسرائيل حدوث انقسامات بين فترة وأخرى نظرًا لتمايز المواقف من قضايا مختلفة. إسرائيل بعدما كشفته النتائج من انقسام حقيقي بنسبة 50-50 باتت حائرة، تتعثر خطاها، بحثا عن مسار، قد يغلب عليه انكفاء على معالجة قضايا الداخل، وحيرة في التعامل مع ملفات ملتهبة في الخارج، من صراع في حكومات الجوار بدول الربيع العربي، إلى انتخابات برلمانية في الأردن قد تقرر بدورها ملامح المستقبل في الأردن، وما قد يترتب عليه بشأن تسويات الملف الفلسطيني.