في وقت تزاحمت فيه الروابط الدنيوية، والعلاقات المصلحية، يبحث المسلم عن الأخوة في الدين والحب في الله، فأين موقع هذه العبادة في حياتنا؟ وما علاماتها؟ وكيف نميز بين الحب في الله والعلاقات الدنيوية الأخرى؟ وما الرابط بين الحب في الله والإيمان، والرابط بين الولاية والحب في الله، أسئلة طرحناها على بعض الدعاة والشرعيين في ثنايا هذا الموضوع: بداية أوضح المختص النفسي بكلية التربية بجدة الدكتور سامر محمد عرار أن الحب في الله من أروع الأمور التي تشرح الصدر، وتجعل المرء سعيدًا في الدنيا قبل الآخرة؛ لكونه يستشعر بأنه من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وعن علامات الحب في الله قال عرار إنه لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء، وأن المتحابين في الله لا يتحاسدون في دين ولا دنيا، وهم كما وصفهم الله تعالى في قوله: «و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة». علامات الحب في الله وأشار عرار إلى أن من يتمثل ويستشعر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» سوف يشعر بطعم حبه لأخيه، بل يزداد هذا الحب مع مرور الوقت ويتضاعف، مبينًا أن من علامات الحب في الله أنه يزداد إذا رأى أخاه في طاعة الله، وينقص إذا رأى منه معصية، كما أشار إلى أهمية إخبار أخيك بحبك له كما ورد أنه مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم وعنده ناس، فقال رجل ممن عنده: «إني لأحب هذا لله»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعلمته؟» قال: لا، قال: «قم إليه فأعلمه»، فقام إليه فأعلمه، فقال: أحبّك الذي أحببتني له»، ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبت». من جهته أكد أستاذ العلوم الشرعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمد المفدى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإخبار في حال حب الشخص لشخص آخر في الله، لأن ذلك يوجب زيادة الحب، فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع لا محالة، وإذا عرفت أنه أيضًا يحبك زاد حبك له لا محالة، فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين ويتضاعف، وأوضح المفدى أن التحابب بين المسلمين مطلوب في الشرع، محبوب في الدين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم». الأخوة والإيمان وبين المفدى أن الأخوة في الله نعمة عظيمة من نعم الله، وفيض من الله يغدقها على المؤمنين الصادقين، وهي قرينة الإيمان لا تنفك عنه، ولا ينفك الإيمان عنها؛ فإن وجدت أخوة من غير إيمان، فاعلم يقينًا أنها التقاء مصالح، وتبادل منافع، وإن رأيت إيمانا بدون أخوة صادقة فاعلم يقينًا أنه إيمان ناقص يحتاج صاحبه إلى دواء وعلاج لمرض فيه، لذا جمع الله بين الإيمان والأخوة في آية جامعة فقال سبحانه: «إنما المؤمنون إخوة». وأكد المفدى أن المسلمين كأنهم أغصان متشابكة، فكما قال الله تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»، موضحا أن الأخوة نعمة من الله امتن بها الله على المؤمنين كما قال تعالى: «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم» الولاية والإيمان من جهته أكد الداعية محمد العبداللطيف أن الحب في الله مساحة كبيرة وأرض فسيحة، نباتها الصدق والإخلاص، وماؤها التواصي بالحق، ونسيمها حسن الخلق، وحارسها الدعاء، وقد قال في شأن الحب في الله حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنه: (من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان حتى يحب في الله ويبغض في الله.. إلى أن قال ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس في أمر الدنيا فذلك لا يجدي في أهله شيئا..)، وبين العبدالطيف أن ابن عباس ربط بين حصول الولاية وتذوق طعم الإيمان بالحب في الله، وهذا تأكيد لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: «من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان، فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله»، وهو تأكيد كذلك لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار».