مكة المكرمة شرّفها الله ببيته الحرام، وشرّف قيادتنا الرشيدة بخدمتها، ومكّنهم بفضله من خدمة ضيوفه حجاجًا ومعتمرين وزوارًا في جميع أصقاع الأرض، وقد بذلوا الغالي والنفيس جهدًا ومالًا وتنظيمًا وتشييدًا وتوسعةً للحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة شهدت لهم الدنيا بأسرها. أقف في لحظة مضيئة من زمن الحج الرائع؛ لأصف لكم قيمةً من قيم التواصل الهادف بين علماء الأمة في ندوة الحج الكبرى، وأكتب عن عَلَمٍ من علماء مكةالمكرمة البررة، أعطاه اللهُ بسطةً من العِلم والجِسم، وميّزه بتواضع وزهد علماء سلف الأمة، وهو غني عن التعريف والتملّق، إنه أستاذ الأجيال وعضو هيئة كبار العلماء الفقيه العالم الورع فضيلة أستاذنا الجليل الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان، الذي تشرّفتُ بالإصغاء إليه محاضرًا ومشاركًا ومناقشًا على مدى سنوات عدة في ندوات الحج الكبرى التي تقيمها وتشرف عليها وزارة الحج في كل عام، فرأيته يزداد تألقًا ووقارًا وتواضعًا سنة بعد سنة. وفي ندوة حج هذا العام التي كان عنوانها: (الحج عبادة وسلوك حضاري) كانت محاضرة فضيلته مسك ختام الندوة قبل اختتامها وقراءة توصياتها، وقد أصغى جميع الحضور إلى فضيلته بتقدير وانبهار، حيث كانت رؤيته وأفكاره المضيئة الرشيدة مثارًا للمداخلات الرائعة التي أعقبت المحاضرة، وأذكر تحديدًا مداخلة فضيلة معالي الدكتور نور الدين الخادمي وزير الشؤون الإسلامية التونسي، الذي ذكر أنه تتلمذ على علمه وفضله وورعه، واستطاع فضيلة أستاذنا الجليل أن يجيب عن كل الأسئلة والمداخلات بعلمه الغزير، وعفويته الراقية، وتواضعه الجم. يشهد الله أنني شعرت بالغبطة والسعادة وأنا أرى التفاف الضيوف من علماء الأمة وهم يحاورون فضيلته، ويستزيدون من علمه قبل وبعد كل جلسة من جلسات الندوة في كل أيامها، وكان يصر على أن يجلس في المقاعد الخلفية يتابع ويسجل باهتمام ما يدور في كل جلسة، ويرفض بإصرار عجيب الانتقال إلى الصفوف الأولى، وعندما يتوافد إليه العلماء مسلّمين، أو مناقشين وسائلين تراه يبتسم ويبش في وجوههم، وكان يرفض بإصرار أن يقبِّلَ رأسه أيُّ أحدٍ سواء من علماء الندوة، أو من تلاميذه، وقد سمعته يقول لأحدهم وهو من كبار العلماء الأجلاء بعد إصراره على تقبيل رأس فضيلته (إن قبَّلتَ رأسي سأقبّل رجلك)، فيحجم كلُّ مَن يريد فعل ذلك تأدّبًا وذوقًا. لست هنا في هذه المقالة أعدد إنجازات أستاذنا، أو الحديث عن فضله وعلمه، فقد سبقني إلى ذلك الكثيرون، ولكنني أسطّر الفخرَ الذي شعرتُ به وأنا أرى الثناء العاطر على معاليه، في حضوره وغيبته، ولعل من أبلغ ما سمعت قول فضيلة الشيخ الدكتور محمد سلطان العلماء، عضو هيئة كبار الإفتاء في دولة الإمارات العربية المتحدة الذي قال: (يأسرك فضيلة شيخنا وأستاذنا الجليل الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان، بما أكرمه الله من علم لم يكتمه، ومن تواضع وزهد، يزيّن ذلك كله قلّ أن تراه في هذا الزمن، وقد تتلمذت على يدي شيخنا في جامعة أم القرى، وتعلمت منه أدب التلقي، وحسن العرض، ورقي التعامل).. إنها شهادة حق من رجل فاضل، كان تلميذًا لأستاذنا جعلتني أحلّق فخرًا بهذا الرجل المكي، العالم الجهبذ، والمربي الفاضل الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان، الذي أسأل الله أن يمتّعه بالصحة والعافية، وأن يطيل في عمره، ويديم عليه نعمه، ويفيدنا بعلمه ومعرفته. إنه سميع مجيب.