إن المصيبة يعظم أثرها عندما تكون بفقد من لهم في الأمة شأن عظيم وأثر جليل، ومن ذلك فقد العلماء الربانيين، إذ إن موتهم ثلمة في الدين قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم بأن ينتزعه انتزاعا، ولكن يقبضه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم حدث الناس رؤوس جهال، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا». فجعت الأوساط العلمية والمجامع الفقهية وطلاب العلم مساء الأربعاء السابع من شهر شعبان بفقد عالم جليل متميز وشيخ فاضل وأستاذ موسوعي وداعية من الدعاة المخلصين صاحب تقوى وزهد وورع وعبادة ذلكم هو صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور أبو عبد الرحمن عثمان بن إبراهيم المرشد أستاذ الفقه والأصول بجامعة أم القرى لأكثر من ثلث قرن ثم بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لعدة سنوات، وفضيلة الشيخ عثمان -رحمه الله رحمة واسعة من الراسخين في العلم، لا سيما في علوم الفقه والأصول ومقاصد الشريعة والفروق والقواعد الفقهية، وقد أنعم الله عليه بدقة النظر وصفاء الذهن وحسن التصور، أما دروسه ومحاضراته فقد كان له القدح المعلى في حسن العرض وإيضاح المشكل بلغة فقهية رصينة وكان هذا من أسباب تعلق طلابه به واستفادتهم من علمه وخلقه وأدبه. له أثر ظاهر في كلية الشريعة بجامعة أم القرى علما وإدارة ورأيا، فقد عمل رئيسا لقسم الشريعة فنظر في مناهج القسم وشؤونه الإدارية نظر العالم الأريب فحمده زملاؤه ورغبوا منه الاستمرار في رئاسة القسم إلا أنه آثر التفرغ للدروس والمحاضرات فهي زاده وشرابه. وبقي عضوا في مجلس الكلية عدة سنوات. وشارك في لجنة إعداد مناهج الدراسات العليا الشرعية مع أصحاب الفضيلة الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان والدكتور عبدالله الرسيني والدكتور أحمد محمد نور سيف وكان عضوا في عدد من اللجان العلمية في كليات الجامعة ومراكزها. قام بالإشراف والمناقشة لعدد من الرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراه) فكان نعم المشرف والموجه والمناقش، بل كان الطلاب يتسابقون أيهم يحظى بشرف الإشراف من الشيخ. كان -رحمه الله- سديد الرأي يصدر في آرائه العلمية وغيرها عن رؤية ثاقبة وسبر لغور الأمور ومآلاتها ذا منهج وسطي بعيد عن الغلو فلا إفراط ولاتفريط. اختير عضوا في المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي منذ عام 1420ه وكان لإسهامه في مؤتمرات المجمع ودوراته وندواته أثر واضح، كما كان عضوا في اللجنة العلمية بالمجمع الفقهي لمدة ثمان سنوات منذ تأسيسها حتى انتقاله إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. كان رحمه الله على قدر كبير من الأدب والخلق الرفيع والتواضع وحسن السمت وطيب المعشر مع تمتعه بخفة الظل ونكتة حاضرة. ومع تبحر فضيلته في الفقه وأصوله، فقد كان غزير العلم والثقافة في كثير من العلوم كالنحو والأدب نثره وشعره والتاريخ والفرق والتراجم، فلا يكاد يذكر أحد من أهل العلم إلا ذكر سنة وفاته، وكان خبيرا بالكتب ومؤلفيها وعلى معرفة جيدة بأحوال العالم المعاصر. وللشيخ منهج سلكه بعض العلماء وهو العزوف عن التأليف والانشغال بالقراءة والاطلاع ونشر العلم في المحاضرات والدروس والإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه ومناقشة الرسائل العلمية. وما يسره الله له من مؤلفات فقد تميزت بالعمق والأصالة، منها؛ الرأي عند الإمام أحمد رحمه الله، حصل به على درجة الماجستير بتقدير ممتاز وكان أحد المناقشين لرسالته سماحة العلامة الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- رئيس مجلس القضاء الأعلى آنذاك، ومنها المقاصد من أحكام الشارع وأثرها في العقود جاء في مجلدين كبيرين حصل به على درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز، وقد شرفت وإياه بالإشراف العلمي في مرحلة الماجستير والدكتوراه من صاحب الفضيلة العلامة الأستاذ الدكتور أحمد فهمي أبو سنة رحمه الله. وللشيخ محبون كثر أحبوه لعلمه وفضله وطيب معشره فلهم جميعا خالص العزاء. * الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي