بسعادة بالغة، فرح الوسط الثقافي والأدبي بعودة إطلالة "الاثنينية" الأسبوع الماضي، حتى تواصل ركضها نحو أعماق الفكر والعلم والأدب، وتسهم مجددًا في دفع عجلة الحراك الثقافي والمعرفي بالمملكة العربية السعودية، إضافة إلى مواصلة مبادراتها المميزة في تكريم المبدعين والمتألقين في مختلف المجالات، ذكورًا وإناثًا. وفي فترة غياب "الاثنينية" التي استمرت قرابة العام ونصف، افتقد الوسط الثقافي والأدبي هذا الملتقى الجميل الذي تميز في تقديم رعاية كريمة لرجال ونساء الفكر والعلم والأدب من مختلف أنحاء العالم العربي، مشكلاً إحدى الواجهات الحضارية للوطن كمنتدى ثقافي وفكري ومعرفي عبر مسيرته العطرة التي استمرت ما يربو على الثلاثين عامًا. وعندما تذكر "الاثنينية"، لا بد أن يذكر صاحبها ومؤسسها الشيخ عبدالمقصود خوجة، الذي يتمتع بحاسة أدبية رفيعة المستوى، وأحد المولعين بالفكر والثقافة، وقد بذل الكثير من وقته وماله وصحته، وسخّر مكانته الاجتماعية وعلاقاته المميزة دعمًا للعلم والمعرفة ولإنجاح صالونه الثقافي الأسبوعي، حتى أصبحت "الاثنينية"، بعطائها وتوهجها المتميز، معلمًا ثقافيًا ذائع الصيت، وعلامة بارزة في مسيرة الثقافة والأدب، ليس على المستوى المحلي فحسب؛ بل على المستوى العربي والإسلامي. كانت اثنينية عبدالمقصود خوجة الثقافية والأدبية تحمل مكانًا غاليًا في نفس والدي -رحمه الله- ولم يتخلف عنها إلا في أضيق الأحوال، وكانت له بمثابة التجمع الثقافي الأسبوعي لملاقاة أصدقائه من رجال الفكر والأدب ووسيلة للتواصل معهم، وفي المرات التي أذهب فيها معه كنت ألحظ تميز "الاثنينية" في استقطاب تلك الهامات السامقة في دنيا الثقافة والأدب والشعر والعلوم، وتوفير فرصة تبادل الحوار والنقاش مع الشخصية المكرمة، علاوة على التعرف على الشخصيات الاجتماعية والثقافية المميزة والاستفادة من تجاربهم الثرية، وكعادته دائمًا كان الأديب الشيخ عبدالمقصود خوجة يُخجل الحضور بتواضعه الجم ونبل أخلاقه، تجده دائمًا بشوشًا وغير متكلف أو متكبر برغم بحبوحة العيش التي أكرمه الله بها، هادئ الطباع ويمازح الجميع بلا تكلف. وعندما علمت بإطلالة "الاثنينية" المتجددة بعد زوال الظروف الصحية التي ألمت بصاحبها وراعيها، حرصت على حضور المنتدى الذي استضاف أحد رموز العلم في بلادنا الغالية، وهي الدكتورة حياة سندي، الباحثة في جامعة هارفارد، عضو هيئة التدريس في الكلية الملكية البريطانية، والحاصلة على جائزة مكةالمكرمة للتميز العلمي والتقني، وهو تكريم في مكانه الصحيح، فالدكتورة حياة سندي خدمت الوطن والمجتمع بفكرها وعلمها وأبحاثها، وتكريمها من قبل "الاثنينية" يعد تكريمًا لكافة العلماء والنجباء في ساحات العلم والمعرفة، وما تكريم العلماء والمبدعين إلاّ سمة من سمات هذه البلاد التي تحب المبدعين وتقدرهم وتجلهم، في ظل ما ننعم به من مساحة فكرية وثقافية مميزة بقيادة رجل الاعتدال ورائد الحوار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وما يهم الوسط الثقافي والأدبي الآن هو استمرارية أنشطة "الاثنينية" دون توقف، لضمان بقاء دورها الفاعل في إثراء الحراك الثقافي والمعرفي بالمملكة، ولعلي هنا أضم صوتي إلى ما ذكره الأديب الدكتور عبدالله منّاع في كلمته بالملتقى، وإلى ما خطه قلم الأستاذ مشعل الحارثي في صحيفة البلاد، إلى ضرورة تحويل "الاثنينية" إلى مؤسسة ثقافية تعمل تحت مظلة مجلس إدارة، مع توفير دخل وقفي دائم للصرف على كافة أنشطتها المتعددة، وهو الاقتراح الذي أعلنه راعي ومؤسس "الاثنينية" منذ سنوات، والذي نتمنى له الصحة والعافية ونرجو له دوام التوفيق والنجاح. --------- (*) كاتب وباحث أكاديمي