سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشِّعر حياة الشعر حياااة؟!! نعم؛ لأنه وحده من يُكسبها ألوانها، وحده من يهبها ألقها وبهاءها، وحده من يسبر أغوارها ليُخرج لنا دررها ولآلئها وكل معنىً جميلٍ منثورٍ على رباها
قد تجف الأنهار، وتموت الأشجار، وتذبل الأزهار، وتهاجر الطيور، فتفقد الحياة بريقها ورونقها، وتغدو رتيبة مملة ليس فيها من الجمال ما يبعث في الروح الأمل، ويسكب فيها سُلافة التفاؤل والحبور. وحدَه (الشِّعر) مَن يروي صحاري القلب بنبض الحياة، وحده الشعر من يقتلع أشواك الألم؛ ليغرس مكانها أزهار الأمل، وحده الشعر من يُحوِّر الكونَ ليغدو لوحة بديعة رسمتها أحرف الشاعر، وحده الشعر من يقطع وريد اليأس بمدية التفاؤل. الشعر أيها السادة شجرة مباركة، منحها اللهُ الشعراءَ ليتفيَّؤُوا ظلالها الوارفة التي تُهَوِّن عليهم متاعب الحياة. لكن، هل يعي الشعراء سر هذا الإلهام وكينونته؟ هل يدركون مصدر هذا الشعور المتدفق على أرواحهم؟ يأتي الشاعر (أنيس منصور) في كتابه (أنتم الناس أيها الشعراء) الذي يمثل عنوانُه شطرَ بيتٍ لأحمد شوقي (جاذبتني ثوبيَ العصيَّ وقالت/أنتم الناسُ أيها الشعراء) ليقول: «الشعراء لا يعرفون.. فالوردة لا تعرف كيف هي جميلة، والشمس لا تعرف كيف هي مضيئة.. بل كيف أن الشمس هي مصدر الحياة، وليس بها حياة!». عالَم الشاعر مليء بالغموض، مترع بالخيال الخصب، حافل بتصور آخر للكون والحياة غير التصور الذي درج عليه الآخرون. الشِّعر عند الشاعر قالب جميل يتشكَّل فيه مفهومه، وتنضج فيه رؤاه وأحلامه ونظرته للكون والحياة؛ ليعلن ميلاد قصيدة تتمخطر في أبهى حُلة، يحلِّق معها القارئ، ويطرب لها السامع. يكفي الشاعر أن له عالَمًا فسيحًا جميلاً غير العالم الرتيب الذي يتزاحم فيه الناس، يكفيه أنه ينظر للحياة من زاوية لا يصل إليها الآخرون، يكفيه أنه يعيش أجمل ما في الحياة، ويعيش غيره شقاءها وعذاباتها. الشعر حياااة؟!! نعم؛ لأنه وحده من يُكسبها ألوانها، وحده من يهبها ألقها وبهاءها، وحده من يسبر أغوارها ليُخرج لنا دررها ولآلئها وكل معنىً جميلٍ منثورٍ على رباها، أو كامنٍ في أعماق محيطاتها وبحارها، أو سابحٍ في فضاءاتها الرحيبة. للشِّعر لذة لا يعرفها إلا من تذوق حلاوتها، وعلى رأي الشاعر (لا يعرف الشوقَ إلا من يكابده/ولا الصبابةَ إلا من يعانيها). ولذا تجد الشعراء شديدِي التعلُّق بهذه الهِبَة الربانية والدرة المكنونة، تجدهم يغارون عليها ويعلون من شأنها؛ لأنهم بها تذوَّقوا طعم الحياة، والتذُّوا بأجمل ما فيها، ورسموا أجمل لوحاتها. فلا غرابة أن تجد قلبَ الشاعر متصحرًا، ومشاعرَه متيبسةً؛ وذلك حين تجف روافد الشعر لديه، أو تخبو جذوة الشعر في روحه. وكاتب هذه السطور يشكو إليكم جفافًا شعريًّا ضرب جهاتِ قلبه الأربع، وتمطى لروحه وحروفه؛ فلم يعد يجد للحياة طعمها المعهود، ولم يعد يرى الجَمال مُهيمنًا على الوجود؛ وهو يُرجع السبب الأكبر في ذلك للهمِّ الأسبوعي المستمر ممثلاً في (المقالات) التي جفَّفت منابع أحاسيسه المرهفة؛ حينما شُغل بقضايا الإنسان على حساب مشاعر الوجدان؛ فطغى (النثر) بواقعيته الجافة على (الشِّعر) بخيالاته الندية، فلم يعد طائر الشعر يزوره إلا نزرًا! *من ديواني (وجهُ الصَّبَاح): هو الشِّعرُ يأتي كطيفِ النَّسيمِ/وكالطَّلِ يَغسلُ رانَ البَشَرْ* يجيءُ رحيقًا لأرواحِنا/ظِلالاً تحفُّ بمجرَى النَّهَرْ*يحركُ وجْدَ الطَّرُوبِ إذا/ترقرقَ دمعٌ بوقتِ السَّحَرْ*هو الشِّعرُ رمزٌ لمعنى الوجودِ/وبسمةُ ثغرٍ كوجهِ القَمَرْ*هو الشعرُ سِحرُ المعاني الحِسانِ/ونبضُ الفؤادِ وأُنْسُ السَّمَرْ*هو الشعرُ يأتي بلونِ الربيعِ/ونفحِ الخُزامى ووقعِ المطرْ*نَطيرُ إليهِ على صهوةٍ/منَ الشوقِ نبغي لذيذَ الثَّمَرْ*ونمضِي سُكارى إلى بحرِهِ/ولسنَا نملُّ دروُبَ السَّفَرْ*بهِ الرُّوحُ تسمُو ويهنا الفؤادُ/وتصفُو الحياةُ ويُجلَى الكَدَرْ. [email protected]