لاشك أن الفن كلمة جميلة بطياتها تحمل كثيرًا من المعاني الراقية والملهمة، فالمبدع طلال مداح يرحمه الله استطاع أن يرينا الحياة من زوايا مغايرة لواقعنا الاجتماعي ومنحنا القدرة الكاملة على تحديد مواطن الجمال بالأشياء التي من حولنا. بوجود طلال مداح تم إلغاء المعادلة العقيمة والتي مفادها أن كل قديم صحيح وكل موروث مصان وكل مأثور مبجل، حيث استطاع بكل مهنية فنية الدخول لتفاصيل حياتنا وخارطتنا الاجتماعية في زمن عقيم ثقافته كانت ترى أن الدخول لعالم الغناء هو خرق كبير للعادات والتقاليد في مجتمع كان يعاني من البدائية وما ينتج عن ذلك من تصادم عنيف فكريًا، حيث يعيش البعض ما بين تناقضات الحقيقة بين أقوالها وأفعالها، ويبقى لطلال مداح الدور المتميّز في خلق روح التسامح لمجتمع متنام حين ساهم في تنمية المشاعر وتهذيبها. طلال مداح يرحمه الله فنان طاول أنهر الإبداع منذ بداياته، فليس من المستغرب أن ينظر إليه الآخرون من أقرانه نظرة مختلفة قد تغلفها الغيرة إلى درجة الحسد الذي يغلي بالصدور، لكن أن يستمر هذا النهج متلازمًا فهذا قدره وقدر موهبته التي حباه الله إياها، هو يعرف ذلك جيدًا لكنه كان دائمًا يفضّل ترك الأمور لمن هو متصرّف بتدبير الأمور. كثيرون هم المبدعون يعيشون في تناقضات حقيقية ما بين أقوالهم وأفعالهم، وطلال كان يترفّع أيضًا عن سفاسف تلك التناقضات بصفته شخصية استثنائيه لإطلاعه الآخرين على حقائق الآمور المغيّبة. وكثير هم المبدعون يتوسّدون الأنانية وحب الذات من أوسع أبوابها، وطلال عاش حياته بيننا وهو أكثر كرمًا من رائحة الورد، وأكثر تهذيبًا من النسمات الحالمة. وكثير هم المبدعون تتجلّد في مشاعرهم صقيع الإحباطات وجبال الثلوج، وطلال يفرط بنا نحو النشوة والتفاؤل وطرق الأمل المضيئة بكل ماهو إنساني.. وكثير هم المبدعون يقتلون الفرح في عيون الآخرين، ويغتالون الابتسامة في وضح النهار، وطلال وحده من يمتلك لغة عالية من الارتجال والتصرّف بلباقة تحترم قيمة الإنسان. نتذكّره ونحن نعيش في ذكرى رحيله الثاني عشر عن حياتنا.. يرحمه الله. * المدينة المنورة