كثيرون هم الأعلام الذين قدموا لفنون وتراث هذا البلد العريق أجزاء عظيمة وعزيزة من أعمارهم وتكوينهم الوجداني والفني والفكري، ووهبوا وطنهم كل حبهم وتفانيهم وإخلاصهم لأجل رفعته وإعلاء شأنه حيث قدموا فيوضا سيالة ومدرارة من غزارة أفكارهم وإبداع قرائحهم، وبذلوا له المزيد من جهودهم ومهارتهم وخدمتهم لاسيما في فترة الشباب الخلاق، تلكم الفترة النشطة الوثابة التي عادة ماتكون معطاءة ووفيرة المجاج والإبداع حد العلاقة بين الموهبة والرغبة في التماهي معها وهو ماحدث تماما مع شخصيتنا هذا الأسبوع أحد أعلام مراحل التأسيس في دنيا ثقافتنا وفنوننا الفنان الراحل الشريف عبدالله المرشدي الذي خدم وطنه باقتدار وجدارة وقدم له كل ماعنده. ولأنه من كبار الفنانين قدم الكثير من الألحان والأغنيات لفنانين سعوديين وعرب، ورأس فرع جمعية الثقافة والفنون في الطائف طويلا إلى أن توفي في 7/ 6/ 1428 22 /6 / 2007. بعد أن تزامل مع الموسيقار العميد طارق عبدالحكيم طويلا ومع العديد من الموسيقيين السعوديين منذ يفاعته.. الشريف عبدالله المرشدي كانت نشأته الأولى في مسقط رأسه الليث التي غادرها إلى الطائف مبكرا وتحديدا عندما بلغ الثامنة عشرة. من هو ؟؟ ولد المرشدي في محافظة الليث في العام 1352ه / 1932م حيث مارس فيها جانبا من هواية الفن لديه ثم اتجه في سن ال (18) إلى الطائف التي حصل فيها على الكفاءة المتوسطة بعد أن درس الابتدائية في المدرسة السعودية بالطائف وهي الفترة التي زامل فيها طلال مداح على مقاعد الدراسة وكانت الطائف في هذه الفترة الملتقى الفكري والفني للمملكة وخاصة في فن الأغنية والموسيقى. والتحق بمدرسة الجيش فزامل محمد الريس وتتلمذ على يد أحمد سليمان والزعزوع وغيرهم واكتسب صداقة كثيرين من شباب الفنانين يومها أمثال طارق عبدالحكيم مدير مدرسة موسيقى الجيش، عبدالله محمد، عبده مزيد، محمد مخلص، محمد الإدريسي، محمد الريس وغيرهم. للمرشدي ابنتان وولدان هما هاني ومهنا وكان، أول عمل رسمي له بعد الدراسة في الطائف كان في إدارة المرور خلال الفترة مابين 1374 إلى أن تقاعد في العام 1410 وكان خلال نفس فترة عمله في المرور يمارس فنه كمغن وملحن إلى أن رأس فرع جمعية الثقافة والفنون في مدينته الطائف. وكانت له مساهماته الرياضية حيث ساهم في تأسيس نادي وج الرياضي في الطائف إلى أن ترأس مجلس إدارته أيضا لمدة 14 عاما ثم استقال منه بعد أن حقق مع النادي العديد من البطولات الرياضية والإنجازات الثقافية على مختلف الصعد وشارك في تأسيس فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالطائف في العام 1399/1979، وحقق الفرع الكثير من الإنجازات والأنشطة المتميزة وعلى وجه الخصوص في المسرح لاسيما خلال تمثيل الفرع للنشاط المسرحي السعودي في الخارج وتحديدا في الأسابيع الثقافية والمهرجانات العربية التي بدأت في الكويت وتونس والجزائر. حكايته مع بايزيد وباسالم في الليث بدأت الموهبة الفنية وملاغاة وملاطفة آلتي السمسمية والطنبور لديه مبكرا ولهذا حكايات عدة يحكيها لنا العم محمد علي بايزيد «87 عاما.. من مواليد 1344» وهو من أعلام وأعيان محافظة الليث حيث يقول: المرشدي من أبرز الأسماء التي مثلتنا خارج الليث وهو رحمه الله الإنسان البسيط المحب للناس والفن، إنه الفنان الذي سكن الفن وجدانه مبكرا حيث كان يعزف على السمسمية وآلة الطنبور وغيرها وكان يغني بشكل جميل وكثيرا ما تسامرنا في «بشكة» تتكون منه وأخيه علي المرشدي وأنا وأخي عبدالله بايزيد وكان من الموهوبين في البشكة، وكان متزاملا معه بشكل كبير عبدالله محمد باسالم الذي كان يعزف على الإيقاعات المختلفة وعلى وجه الخصوص «المصقع» وهو والد محمد باسالم مدير الاشتراكات في كهرباء جدة سابقا، وكنا جميعا قد تربينا في الليث على فنوننا وإيقاعاتنا الشعبية المتوارثة، وأذكر أن أول جلسة تعارف بيننا ونحن صبية كانت في بيت العم محمد سالم عفص باعامر رحمه الله وهو من أعيان الليث وهو رجل شايب كنا نجتمع عنده أنا وعبدالله المرشدي وغيرنا من المراهقين يومها. وأذكر أن هجرته النهائية إلى الطائف كانت قد سبقتها هجرة أخيه علي جعفر المرشدي الذي ذهب للعمل في محكمة الطائف بينما عبدالله اتجه إلى مرور الطائف، وكان أبوا المرشدي قد انتقلا للعيش نهائيا في مكةالمكرمة إلى إن توفيا فيها. ويقول العم محمد بايزيد إن الراحل المرشدي كان لا يتردد في تلبية أي دعوة توجه إليه من أهالي الليث لمشاركتهم مناسباتهم الكبيرة عند زيارة أمراء أو مسؤولين للمنطقة أو في المناسبات الخاصة والأفراح، رحم الله المرشدي. المرشدي الملحن قدم الفنان الراحل عبدالله جعفر المرشدي الكثير من الألحان الشهيرة التي شدا بها الكثيرون من المطربين بينما سبق أن قدم معظمها في الجلسات والمناسبات الفنية وفي حفلات الطائف ولحن الكثير من الأناشيد الوطنية التي قدمت في المناسبات الوطنية ومن إنجازات فرع الجمعية في الطائف تقديم الفنان الشاب آنذاك عبدالله رشاد الذي انطلق من إحدى حفلات جمعية الطائف غنائيا برعاية من الفنانين الراحلين عبدالله مرشدي ويوسف محمد. ومن أشهر ألحان الفنان عبدالله المرشدي أغنية «ياسما شوفي بعدك» وأغنية «عناني» للشاعر إبراهيم خفاجي وهما الأغنيتان اللتان شدت بهما الفنانة اللبنانية الكبيرة هيام يونس وطرحت اسطوانات يومذاك، كما لحن عددا من الأعمال التي تناقلت بين الفنانين وخاصة أغنية «بالله يا دول القماري في القديرة والرقاب» التي قدمها كثيرا بصوته الفنان الرائد الراحل عبدالرحمن مؤذن المعروف ب «الأبلاتين»، والراحل المرشدي بصفة عامة مقل في إ نتاجه.. كما أن للمرشدي متحفا شخصيا يضم الكثير من الكتب النادرة والمخطوطات والصور والمقتنيات الأثرية النادرة. قالوا عنه يقول الموسيقار سراج عمر إن المرشدي من الفنانين الذين كان يعجب بآدائهم وعطائهم الفني، ويقول أيضا: المرشدي استاذ كبير وإداري ناجح فلقد عملنا معا عندما كنت مشرفا على فرع جمعية الثقافة والفنون في المنطقة الغربية ووجدته من أروع الناس عملا واجتهادا وخدمة للفن والموسيقى وخدمة لبلده بشكل عام. إنه رجل في منتهى التهذيب. ويقول الفنان الكبير جميل محمود الذي تماثل للشفاء أخيرا: أستطيع القول إن المرشدي عصامي في كل حياته العملية والفنية، وأصحح لك إنه استقر في مكةالمكرمة عند تركه بلده الليث قبل اتجاهه إلى الطائف والعمل محاسبا في مرور الطائف، وأقول هو رجل عصامي لأنه بالفعل اعتمد على نفسه كثيرا حيث كان يدرس ويعمل في نفس الوقت في مصنع البابطين للثلج والآيسكريم في حي المسفلة إلى أن ذهب إلى الطائف واستقر فيها وبدأ حياته الفنية بلحنه الشهير لنص الشاعر ياسين سمكري «بالله يادول القماري»، كما اشتهر في السبعينات الميلادية بترديده لحن الدكتور عبدالرب إدريس الشهير «ما اقدر والنبي اودعك» في كل حفل يشارك فيه. والمرشدي شارك معي في برنامج «وتر وسمر» الذي كنت أعده وأقدمه في الشاشة السعودية حيث قدم الكثير من الأغنيات والدانات وجمعتني به الكثير من الجلسات الفنية وغيرها، أنا وهو وياسين سمكري وعبدالله نيازي وعبد القادر مغربي ومحمد أمان وأستاذنا إبراهيم خفاجي. ومما أسفت عليه أنه مرض قبل وفاته لشهر كامل ولم أعرف بالنبأ حتى توفي، عموما هو أحد أقاربي حيث إن والدته أخت لعمتي من والدتها. ويقول الشاعر ياسين سمكري: إن ما جمعه مع الراحل عبدالله مرشدي الكثير من الأغنيات أشهرها «بالله يادول القماري»، وكان ذلك منذ أكثر من أربعين عاما ولكن الذاكرة أضعف من أن أتذكر أبرزها. يقول خالد مفتي أحد أبناء الأسرة الفنية والعارفين بتراث الطائف إن الراحل عبدالله المرشدي أحد الرواد الذين قدموا الكثير لفنون الطائف ومن مزاياه تحديث التراث الموسيقي والغنائي في الطائف حيث كان من الأسماء التي صنعت الألحان الحديثة مبنية من عمق التراث الطائفي ودليل ذلك أعماله الغنائية التي لحنها من كلمات الشاعر إبراهيم خفاجي للفنانة اللبنانية الكبيرة هيام يونس مثل «عناني» و«ياسما شوفي بعدك».. ويقول محمد باسالم مدير الاشتراكات في كهرباء جدة سابقا: إنه طالما استمتع بإبداعات الفنان عبدالله المرشدي في فترة الصبا والشباب وإن والده عبدالله باسالم كان قد ناصف المرشدي مشواره الفني كعازف إيقاع وإنه طالما حكى ويحكي عن أعماله الفنية والسهرات والحفلات معه في مشوار الفن والموسيقى والغناء تحديدا. ويقول الشاعر طلال طائفي: الفنان الراحل عبدالله مرشدي صديق عزيز رحمه الله وفنان شارك في صناعة التأريخ الفني في بلادنا رغم ندرة عطائه وقلته نسبة إلى الآخرين من زملائه في شارع الفن. ولقد أعجبني الراحل هاني ماجد فيروزي وهو يحاول إعطاء الرجل بعضا من حقه الضائع في دنيا الإعلام في قراءة له، للمرشدي الإنسان والفنان حينما قال: للمرشدي آنذاك رحمهما الله: أنت فنان أصيل أصالة هذه الأرض لقد كنت تخفي حبك وإعجابك لطلال وبطلال مداح حين خلافه مع طارق عبدالحكيم خشية أن تحسب على أحد طرفي الخصام، وكم كنت تعجبني وأنت تعلن إعجابك برواد الفن والأغنية من قبلك وتردد أعمالهم وعلى وجه الخصوص الفنان مبروك القرين الذي كان أبرز فناني الطائف والذي تخصص في أداء الألوان الغنائية الكويتية حتى العام 1383/ 1963، وكم كنت تعجبني وأنت تعرفنا وتتحفنا وتغني أعمال سادة الغناء اليمني وأساطينه ومبدعيه عمر غابة وإبراهيم الماس ومحمد إبراهيم الماس وأحمد عبيد القعطبي، ومن البحرين محمد الزويد، ومن الكويت عبداللطيف الكويتي.. ويضيف طلال طائفي قائلا: إن المرشدي كان من أمهر العازفين على العود حتى أن البعض كانوا يسمونه ملك العود لإجادته للضغوطات والمهارة الفائقة في التعامل مع المقامات الموسيقية، وهذا مايؤكد كلامي عنه دائما إنه ملحن أكثر من مطرب بالشكل العام له كفنان.. وعلى العموم كان هو أخ وصديق لكل أهل الطائف رحمه الله، وأنا عندما استطعت الحصول على الموافقة لافتتاح فرع جمعية الثقافة والفنون في الطائف لم يقفز إلى رأسي كرئيس لها إلا اسمه رحمه الله وقد كان.. ومن ذكرياتنا الجميلة معا هي تلك الذكرى التي لاتغيب عني أبدا وهي بشكة قهوة شهار التي كنا نتجمع فيها أنا والمرشدي والراحل محمد طلعت والراحل أبو يعقوب «يوسف محمد» ومحمد مخلص والكمنجي الرهيب عبدالرحمن حمدان الذي يعيش في جدة حاليا، وأساتذتنا من مكةالمكرمة الذين كانوا كثيرا ما يطرزون بشكتنا مثل الخفاجي والحجازي والسمكري وجميل محمود إلى أن بلغت البشكة مطلع التسعينيات الهجرية / السبعينيات الميلادية مدى تألقها وإبداعها حيث انضم إلينا درويش صيرفي والأخوان لبان يحيى وعلي.. ومن أهم ما أود الإشارة إليه أن المرشدي كون مع طلال مداح وعبدالرحمن خوندنة ثلاثيا حيث كان طلال يتعلم على عوديهما لأنه لم يكن يومها طلال مداح بإمكانه أن يدخل العود إلى بيته.