من ملفات الحياة الثقافية والفنية التي لا يمكن إغفالها مهما امتد بنا الزمن، ذلك الملف المليء بالإنجاز والعبقرية في دنيا الموسيقى والغناء، بل وإدخال كل متعلقاته في حياتنا الاجتماعية، ملف «طلال مداح» الذي ظللنا نطالب مرارا وتكرارا بأن يدخل اسمه التاريخ بتسمية أحد شوارع جدة باسمه، هذه المدينة المترعة بعشق الفن بعد أن دخل طلال وجداننا وسكنه للأبد. شارع باسم طلال مداح ومثله لطارق عبدالحكيم وعبدالله محمد ومطلق الذيابي وسعد إبراهيم وعمر كدرس وحسن دردير ولطفي زيني، كذلك لشعراء الأغنية الكبار الذين ملأوا دنيانا أدبا، مثل الأمير عبدالله الفيصل وإبراهيم خفاجي وبدر بن عبدالمحسن ومحمد العبدالله الفيصل ومحمد طلعت، ومحمد عبده، هذا الذي ملأ دنيانا فنا وإبداعا وكان خير سفير لموسيقانا وفنوننا إلى العالم. طلال مداح لا تبرح ذكراه أنفسنا ملأ الدنيا فنا وجمالا وعذوبة وكان مكان الضمير في وجداننا قبل أن يرحل مخلفا إرثا فنيا عظيما شاركت معظم فرائده في صياغة وجدان الناس، مثل ذلك النص لأمين عبدالمجيد «عرفتك واحنا لسه صغار. . ولسه في ذمة الأقدار، وفي الحارة مع الجيران كبرنا وانتي برضه كمان»، وفي دخوله تلك التفاصيل الدقيقة في حياتنا في أغنيته مع ثريا قابل «من بعد مزح ولعب.. أهو صار حبك صحيح.. أصبحت مغرم عيون وامسيت وقلبي طريح.. واخجل إذا جات عيني صدفة في عينك واصير مربوك وحاير في أمري من فرحي أبغى أطير». آخر العلاج الكي من طفولة طلال غير المحكية صحافيا تعرضه إلى حمى شديدة وهو في الخامسة من عمره وعندها أخذه والده عبدالشيخ الجابري إلى من يكويه في رقبته ليتعالج بآخر العلاج، وهي الحالة التي ظل طلال يرحمه الله يتندر بها طوال عمره «يا ولد لا يكون هذي الكوية في رقبتي والقريبة من الحنجرة هي تسببت في جمال صوتي». 7 حوادث و7 مقطوعات في حياة طلال مداح 7 حوادث لم يكن لينساها أبدا إلى أن توفى، منها سقوطه من سطح منزله في بيته القديم في شارع الميناء جوار مدينة حجاج البحر وهو يحاول إصلاح سلك الهاتف الثابت يومها عندما كان معلقا، ومن هذه الحوادث أيضا انقلاب سيارته البيجو في الطائف لعدة مرات وسلامته والحمدلله. ومن أجمل خصائص طلال مداح - رحمه الله - صلوات الليل وقراءة ورده اليومي قبل النوم وحرصه الشديد على هذه العبادة، كما أنه وللمصادفات عندما قدم أول البوم من مؤلفاته الموسيقية بعد تجاربه الطويلة مع الغناء قدم 7 مقطوعات أسماها «سبعة لمن؟»، وله من زيجته الأولى 7 أولاد وبنات. من الكونجرس إلى السبيل بساطة طلال مداح في الحياة مع الشهرة والنجومية والأضواء لا يمكن أن يجاريه فيها أحد، إذ أنه من الممكن أن يساهم في إسعاد أي شخص، وليس بعيدا عن الذاكرة الفنية والإعلامية ذلك الموقف في سبعينيات القرن الماضي عندما ارتبط لطفي زيني - رحمه الله - عراب فن طلال مداح ومن يدير له حياته الفنية مع أحد وجهاء جدة ب15 ألف ريال ليحيي طلال مداح فرح ابنه بعد أن يكون انتهى في نفس المساء من تصوير مسرح التلفزيون، ولخوف لطفي من عدم اهتمام طلال بذلك أرسل إليه السائق الذي ينتظر انتهاءه من المسرح ليرافقه إلى مقر الحفل، إلا أنه أثناء مرور طلال على حي السبيل الشعبي وجد فرحا في الشارع لأناس «غلابى» وعريس «غلبان»، فأوقف سيارته ونزل ليغني لهم طوال الليل وسط دهشة المحتفلين والجمهور ممن لم يصدقوا وجود طلال بينهم. ومما لا يعرفه كثيرون عن طلال مداح أنه عزف وشدا أمام 100 من أعضاء مجلس الشيوخ في الكونجرس الأمريكي الذي يتألف من مجلسين: «مجلس الشيوخ» وعدد أعضائه 100 شيخ، أي اثنين عن كل ولاية بغض النظر عن عدد سكانها، و«مجلس النواب» الذي يتبدل فيه عدد النواب حسب التبدل الديموغرافي لكل ولاية وعدد النواب فيه اليوم 574 نائبا، ومقر المجلسين هو «الكابيتول هيل» في واشنطن. أما القصة فكانت كما رواها الشيخ أحمد زكي يماني - شفاه الله - أنه أخذ معه طلال مداح إلى كلمة كان سيلقيها أمام مجلس الشيوخ وبعد إلقائه الكلمة قال لهم «كم أود أن أعرفكم على بعض من ثقافتنا الموسيقية السعودية»، وقدم لهم طلال مداح الذي تماهى مع عوده عزفا في تقاسيم استمرت نحو 15 دقيقة صفق له الجميع إعجابا، ثم قدم لهم أغنيته الشهيرة «مقادير»، من ألحان سراج عمر وكلمات الراحل محمد العبدالله الفيصل، وكان من الطبيعي أن تعجب عذوبة صوت طلال وروعته أعضاء الكونجرس رغم عدم فهمهم ماذا يقول. زيجاته طلال مداح الذي كانت زيجته الأولى عن حب، بل حب عاصف لابنة الجيران «عائشة خزام السليماني» التي هي «أم عبدالله» أكبر أبنائه، إذ كانت له زيجتان أخريان معلنتان، الثانية من المغربية «ماجدة مصطفى ماهر»، وهي التي تعرف عليها ضمن الفرق الشعبية الفنية المغربية في حفلات دولة الإمارات، تلك الحفلات التي كان يشارك فيها في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات الميلادية، حيث طلب من والدتها التي كانت ترافقها هناك الاقتران بها، وبعد عودة الجميع تابع طلال مداح تنفيذ رغبته ومتابعتها ووالدتها ما بين المغرب وحيث تقيم في بلجيكا وتم زواجه منها بالفعل ليأتي بها إلى القاهرة ويلحن هناك أغنية لها تصبح فيما بعد عامة، إذ قام بتسجيلها، «مر بي مغربي مايس الاعطاف قده لولبي.. ناعم الأطراف قال لي وش تبي؟ صحت مما حل بي.. يا صلاتي على النبي.. يا صلاتي على النبي». وفي طريق عودته إلى المملكة يعود ومعه ارتباط فني جماهيري يتمثل في إحيائه إلى جانب محمد عبده وآخرين حفلا كبيرا في الرياض بمناسبة السنة الدولية للشباب، تنطلق فيه هذه الأغنية، ويقدم عبدالمجيد عبدالله أول أغنياته من كلمات الخفاجي أيضا وألحان سامي إحسان «عمري ما اقولك ليه» والتي يقول مطلعها «اعزم اقول انساك وانسى غرامي معاك»، وكان هذا أول مجيء لزوجته الثانية إلى المملكة والتي أسكنها مبنى جديدا أنشأه خصيصا لأسرته الجديدة في بيت أسرته الأولى في حوش «الكيلو 10»، ثم انتقل بها إلى شقة في البوادي شمال سوق البوادي، ثم في شقة في حي الحمراء شرق «انتركونتننتال»، وهكذا كان ذلك في 1404/1405ه تقريبا، وأنجب طلال مداح من هذه الزيجة ابنتين. ثم كانت زيجته الثالثة من الفنانة المصرية مها عبدالعزيز محمد وهي الكورال «المرددة» وصاحبة الصوت الجميل في ستوديو صديقه الموسيقار هاني مهنا، والتي كانت واحدة من اللواتي لعب معهن طلال مداح رحمه الله لعبة الجد، إذ أنها عندما أعجبته وهما يعملان معا في ستوديو هاني مهنا في القاهرة أثناء تسجيل أغنيات «وعدك متى» للأمير الشاعر الراحل خالد بن يزيد و«خلصت القصة» للشاعر سعود الشربتلي، باغتها طلال - رحمه الله - «يا بنت تتزوجيني»، وكان أن انتهى الموضوع بالزواج فورا، ليعود بها إلى جدة وتنجب له خمسة أبناء. أبناؤه لطلال مداح 13 من البنين والبنات ترتيبهم كالتالي: من زواجه الأول من عائشة خزام السليماني سبعة: عبدالله، رأفت، رجاء، ملك، محمد، إخلاص وأحمد. عبدالله أكبر أبنائه وقد جرب معترك الفن كموسيقي وعازف جيتار، كما كتب نصوصا غنائية لحنها طلال لغيره من الأصوات مثل «بين القهر والخوف» وغيرها. ورأفت أيضا حظي برعاية الكثيرين عند إعلان رغبته شابا يافعا إلى الساحة الفنية كمطرب ودعمه كثيرون منهم والده طلال الذي لحن له وشاعر الأغنية الكبير المتوهج دائما سمو الأمير بدر بن عبدالمحسن، والمنتج المعتزل للحياة الفنية اليوم الشريف هيزع البركاتي، والسيد أسامة المحضار وغيرهم الكثير، وبالفعل طرح ألبومه وشارك في حفل واحد، ثم ما لبث أن أعلن انسحابه عن الحياة الفنية ثم التزامه. في هذا الصدد يذكر أن طلالا - رحمه الله - دعم الكثير من الذين قرروا دخول الساحة الفنية، منهم من واصل وأصبح أحد نجومها ومنهم من كان كما تقول أمثالنا الشعبية «نفحة وجلس»، من هؤلاء كان دعمه الكبير للنجم عبادي الجوهر في أولى أغنياته «يا غزال، يا حلاوة»، وربما كانت أغنية «يا مدير الحجز اقطع لي تذاكر»، كذلك دعم بدايات عبدالله نجار، ابتسام لطفي وسونيا أحمد في الداخل، ومن الخارج كان تحقيقه لرغبة الكورال في ستوديوهات القاهرة والتي أيضا رافقته في الكثير من حفلاته كمرددة عزة مسعود في التحول إلى الغناء وقدمها في ألبوم ولحن لها، كذلك قدم صوت شقيقة زوجته «منى عبدالعزيز» إلى الساحة الغنائية في ألبوم إلا أنها لم تواصل رغم توفيقها فنيا. أما من زيجته الثانية، ماجدة مصطفى ماهر، فكان أن رزقه الله ابنتين هما رشا وسارة وتعيشان الآن مع والدتهما وجدتهما في المغرب. أما من زيجته الثالثة والأخيرة مها عبدالعزيز محمد، فرزق طلال بأربعة أبناء هم «نورا، دينا، خالد ونغم»، ويحظون برعاية ومتابعة وتربية جد كبيرة من والدتهم، حيث تخرجت نورا ودينا من الجامعة مؤخرا، فيما هي تتابع دراسة خالد ونغم اليوم.