قبل 9 سنوات، وفي قطاع غزة الصامد، وقفت الناشطة الأمريكية الحقوقية ريتشل كوري أمام (جرافة) إسرائيلية احتجاجاً على هدم منزل فلسطيني بغير حق، لتمنع ذلك الظلم الفادح والجريمة الكبرى، فما كان من سائق الجرافة التابع للجيش الإسرائيلي إلا أن دهسها ومزقها شر ممزق. والأسبوع الماضي فقط، وبعد عامين من الجلسات والاستماع إلى عشرات الإفادات رفضت محكمة إسرائيلية الدعوى المدنية (المرفوعة من عائلة ريتشل كوري ضد وزارة الدفاع الإسرائيلية) لدفع تعويض مالي رمزي قدره دولار واحد فقط، واكتفت بإلقاء كامل اللوم على الضحية. وعلقت السيدة سيندي كوري (والدة الضحية) على القرار الظالم بقولها: (إنه يوم سييء ليس للعائلة فحسب، بل هو يوم سييء لحقوق الإنسان والإنسانية وسلطة القانون ولدولة إسرائيل). وقال الناشط في حركة التضامن الدولية (توم دايل) الذي كان على بُعد 10 أمتار فقط من ريتشل ساعة مقتلها: (إن قرار المحكمة يعكس ثقافة طويلة الأمد من الإفلات من العقاب ينتهجها الجيش الإسرائيلي). ومع أن العائلة المكلومة ستستأنف القرار في المحكمة العليا الإسرائيلية، إلا أن من المؤكد أن العليا ستكون كالدنيا، فهما في الإثم شركاء، وفي الجريمة سواء. ولو أن الذي حدث في دولة أخرى (وهو من المستحيلات السبع) لبادرت الدولة الأخرى بالاعتراف بالجرم وبالتباكي على دم ريتشل، ولتعهدت بعدم تكراره أبداً أبداً، ثم دفع ملايين الدولارات تعويضات وإكراميات واستحقاقات. صحيح أن ريتشل ضحت بنفسها لهدف نبيل ولمبدأ عظيم، ربما استمدته من بيئتها وتربيتها، وثقافة بلدها التي تنبذ الظلم وتحارب العنصرية، لكن الصحيح أيضاً أن رجال السياسة في بلادها لا يعتزون بهذه المبادئ ولا يدافعون عنها إذا كانت إسرائيل هي المعنية.. هم أسود على الآخرين، وضد إسرائيل نعامة، عرجاء. هم يلوحون باستخدام كل الوسائل المتاحة، وكلها لديهم متاحة بدءاً بالاقتصاد وانتهاء بالسلاح عدا إسرائيل، فكل شيء مسخر لها ومتاح.. الاقتصاد والسياسة والمال والسلاح. لقد شاء الله أن يمتد هذا الحبل الأمريكي لإنقاذ إسرائيل من أي ورطة كانت، في حين لا يبقى للفلسطينيين سوى حبل الله المتين. [email protected]