بعد أكثر من عامين من الجلسات والاستماع إلى عشرات الإفادات، رفضت محكمة اسرائيلية أمس الدعوى المدنية لدفع تعويضات مالية رمزية (دولار واحد) والتي رفعتها ضد وزارة الدفاع الإسرائيلية عائلة الناشطة الاميركية الحقوقية ريتشل كوري (24 عاماً) التي قتلتها دهسا جرافة اسرائيلية في قطاع غزة العام 2003 عندما وقفت مع مجموعة من المتضامنين المؤيدين للفلسطينيين في وجهها لمنع هدم احد البيوت، الأمر الذي يكرس «ثقافة الافلات من العقاب» التي ينتهجها الجيش الاسرائيلي. ولم يتردد القاضي في اتهام الراحلة بالتسبب في موتها، إذ كتب أن ريتشل «تسببت بموتها بنفسها»، وأنها «اختارت المجازفة إذ كان بإمكانها منع الخطر»، وهو اتهام أثار استياء والديْ الناشطة ومحاميها ومنظمات يسارية رأت أن المحكمة الإسرائيلية تبنّت، كما العادة في حالات مماثلة، رواية المؤسسة الأمنية بحذافيرها، وجيّرت الحقائق لمصلحة الأخيرة ضاربة عرض الحائط بالاعتبارات القانونية والإنسانية. وعملياً، تبنى قاضي المحكمة المركزية في حيفا عوديد غرشون رواية «طاقم التحقيق العسكري» بأن سائق الجرافة لم يتعمد الدهس وأنه لم يكن في إمكانه رؤيتها. وكتب في قراره أنه «يمكن التأكيد في شكل قاطع أن لا أساس لادعاءات العائلة. توصلنا إلى استنتاج يشير الى عدم وجود اهمال من قبل سائق الجرافة». وأضاف أن «السائق ما كان ليواصل سيره لو رأى كوري. لكن الراحلة وضعت نفسها في موقف خطر إذ وقفت امام جرافة ضخمة في مكان لم يستطع السائق رؤيتها، ولم تُبعد نفسها مثلما كان سيفعل اي شخص عاقل». واعتبر القاضي أن موتها كان نتيجة ل»حادث سببته لنفسها، رغم كل محاولات الجيش إبعادها ورفاقها عن المكان، فلقيت حتفها أثناء عملية عسكرية». وتابع: «لا أعتقد أنه يجب تعويض العائلة مادياً على أضرار كان في وسع الراحلة منع وقوعها لكنها لم تفعل بل عرّضت نفسها للخطر». وكانت ريتشل ناشطة في «حركة التضامن الدولية» تؤمن بمقاومة سلمية ضد الاحتلال. ونشطت على نحو خاص في منطقة رفح في قطاع غزة أثناء هدم جيش الاحتلال بيوتاً فلسطينية. وأعربت عائلة كوري عن «حزنها الشديد وانزعاجها الشديد» من قرار المحكمة. وقالت سيندي كوري، والدة ريتشيل التي حضرت وزوجها جلسة النطق بالحكم: «كنا نعرف منذ البداية ان رفع دعوى مدنية سيكون معركة شاقة. لقد جهدت النيابة العامة للتأكد من عدم كشف الحقيقة الكاملة لما حدث لابنتي وعدم محاسبة المسؤولين عن قتلها. لدى إسرائيل نظام فاعل جداً لحماية الجيش». واعتبرت يوم النطق بالحكم «يوما سيئا ليس للعائلة فحسب، بل هو يوم سيء لحقوق الانسان والانسانية وسلطة القانون ولدولة اسرائيل». من جهته قال محامي العائلة حسين ابو حسين للصحافيين خارج المحكمة ان «قرار المحكمة لم يفاجئنا، وربما كتبه ممثل النيابة العامة، لأنه يقوم على حقائق مشوهة ويشكل ختماً وترخيصاً للمس بحياة الأبرياء»، مضيفاً أن العائلة تعتزم استئناف القرار أمام المحكمة العليا. وقال والد ريتشل ان ضباطا كبارا في الجيش الاسرائيلي قالوا في شهادات انهم يصدقون ان القوات الاسرائيلية تقتل الناس جنوبغزة «من دون عقاب». وأضاف ان ضباطاً «في اعلى المستويات في الجيش يعتقدون انه باستطاعتهم قتل شخص على تلك الحدود مع الافلات من العقاب». وكان والدا كوري التقيا الأسبوع الماضي السفير الأميركي في تل أبيب دان شبيرو وقالا إنهما سمعا منه ان الإدارة ألأميركية ترى في التحقيق الذي أجراه الجيش في مقتل ابنتهما ليس كافياً. وقال الناشط في «حركة التضامن الدولية» توم دايل الذي كان يبعد عشرة امتار عن ريتشل كوري يوم مقتلها ان قرار المحكمة يعكس «ثقافة طويلة الامد من الافلات من العقاب ينتهجها الجيش الاسرائيلي».