(ليس المهم أن تسن القوانين والأنظمة .. الأهم أن تتابع تطبيقها وتنفيذها ) .. هذه العبارة ليست حكمة صينية قديمة .. لكنها استنتاج «طبيعي»، لابد أن يمر بأي عقل «طبيعي»، يشاهد الوضع غير «الطبيعي» في فنادق مكةالمكرمة والمدينة المنورة هذه الأيام!.. فقد ساهم غياب الرقابة في ارتفاع أسعار الفنادق في شهر رمضان، وتحديداً في العشر الأواخر منه إلى أرقام فلكية.. حيث وصل سعر الغرفة -غير المطلة على الحرم- إلى أكثر من 20 ألف ريال لليلة الواحدة .. والأدهى أن من يستثمرون هذه الفنادق الإستراتيجية ( الفنادق إحدى أهم واجهات أي دولة) هم مستثمرون أجانب لا هم لهم سوى تحقيق الأرباح الكبيرة في أقصر وقت (على طريقة اضرب واهرب)، حتى لو جاء ذلك على حساب سمعة المملكة ومكانتها في نفوس المسلمين. لعل من الواجب هنا أن أذكّر بأنني لا أكتب مقالي هذا تعاطفاً مع المواطن السعودي البسيط ، أو متوسط الدخل.. فهذان الصنفان من المواطنين أصبحا في ظل الأسعار الملتهبة خارج اللعبة تماماً (خذ عمرتك وتوكل على الله) .. بل تعاطفاً مع صورة وسمعة المملكة التي شوهها الاستغلال القبيح الذي يمارسه من يمكن تسميتهم مجازاً ب (مستثمري العبادات) الذين استغلوا قوانين الاستثمار الأجنبي .. واستغلوا قبلها المكانة الدينية لبلادنا ،فزادوا العبء على الحجاج والمعتمرين، لدرجة أن بعض الفنادق باتت تجبر نزلاءها على شراء قيمة الليالي العشر الأواخر دفعة واحدة ، حتى وان لم يمكثوا في مكة فعلياً .. ناهيك عن سوء الخدمة وفظاظة التعامل .. وكلها أمور تسيء إلى المملكة ؛ وتعاكس النهج الذي قامت عليه هذه البلاد في خدمة الحجاج والمعتمرين دون مقابل .. فضلاً عن عدم جدواها الاقتصادية.. فبماذا سيفيد الوطن مستثمر أجنبي استأجر فندقاً ثم أعاد تأجيره عشرة أضعاف ، دون أن يوظّف سعودياً واحداً ؟!. لست ضد استقطاب الاستثمارات والأموال الأجنبية التي تبني المصانع والمشاريع الكبرى، وتخلق آلاف الفرص الوظيفية للشباب .. لكنني بالتأكيد ضد فتح المجال أمام كل من يملك 100 ألف ريال لمزاحمة السعوديين في المشاريع الصغيرة والمتوسطة مثل المقاهي والمطاعم ومحلات الكمبيوتر والفنادق والشقق المفروشة .. كما انه ليس من العدل أن نمنع المواطن (الموظف) من الاستثمار في بلده .. بينما نفتح المجال على مصراعيه أمام الأجنبي لممارسة الاستغلال الذي أرهق المواطنين و الزوار على حد سواء.. لمجرد انه (مستثمر أجنبي). في معظم بلاد العالم هناك قطاعات سيادية لا يسمح فيها لغير المواطنين بالاستثمار.. هي القطاعات التي تمس أمن الدولة أو هيبتها، أو التي تؤثر على سمعتها الخارجية.. و في بلادنا قطاعات مهمة يجب أن نضع تحتها ألف خط أحمر، لعل في مقدمتها الحج والعمرة.. فالاستثمار في هذا القطاع تحديداً يجب أن لا يُترك لكل من هب ودب للتلاعب به دون ضوابط.. ليس لأنه يتعلق بمقدساتنا فحسب.. بل لحساسيته البالغة، ولتأثيره المباشر على سمعة ومكانة المملكة خارجياً. باختصار : لابد من مراجعة لوائح الاستثمار الأجنبي.. فنحن -ولله الحمد - دولة ذات اقتصاد قويّ.. ولسنا بحاجة لأموال مستثمري (الحمص والفول) التي لم تزد اقتصادنا إلا رهقا.. ولا أموال (تجّار العبادات) الذين يستغلون الحس الديني للناس .. وكما أشرت في البداية «ليس المهم أن تسن القوانين وتصدرها .. الأهم أن تتابع تطبيقها وتنفيذها .. بل وتراجع أيضا مدى صلاحيتها كل فترة» .. كل عام وانتم بخير . [email protected] [email protected]