تعيش الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها هذا الشهر الفضيل رمضان المبارك وتتمتع بصيامه وقيامه ولقد ثبت بالدليل القاطع أن صيام شهر من السنة فيه صحة وعافية للصائمين، والدليل على ذلك بأنني خدمت في الصحافة الناطقة باللغة الإنجليزية رئيسًا لتحرير صحيفة السعودي جازيت أربعة عشر سنة وكان زملاؤنا بها من غير المسلمين النصارى يجاملوننا بالصيام معنا، وبعد عشر أيام من أول شهر جاملونا فيه جاءوا إلى مكتبي ليخبروني بأنهم قرروا الصيام يومًا كاملاً تمامًا مثلنا كمسلمين بعد أن لاحظوا تحسن صحتهم بهذا الصيام، وطول مدة خدمتي الأربع عشرة سنة صاموا معنا عامًا من بعد عام بعد أن خرجت من أجسامهم أمراض كثيرة، وقالوا: ليس هذا اجتهادًا منهم في القول وإنما أثبته كشف الأطباء عليهم، ومعنى ذلك أن في الصيام صحة وعافية يتمتع بها الصائمون من ضمن أيام رمضان المبارك -وكل أيام رمضان مباركة- يوم 17 رمضان لأنه بدأ نزول الوحي على سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء بقول الله تعالى: «بسم الله الرحمن الرحيم» (اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم).. صدق الله العظيم.. وفي يوم 17 رمضان من عام الثاني للهجرة تم انتصار المسلمين انتصارًا ساحقًا على كفار مكة في غزوة بدر وبهذا الانتصار تحددت معالم الدولة الإسلامية في المدينةالمنورة وتتابعت بعد ذلك الفتوحات للدولة ووصف الله هذا الانتصاربقوله:»كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين»، هذا النصر في غزوة بدر غير معالم التاريخ كما سبق أن قلنا إنها إرادة الله جل جلاله الذي أعطى المسلمين هذا النصر العظيم، وما يترتب عليه من انتصارات أخرى بدّلت معالم التاريخ الإسلامي في أرض الجزيرة العربية وعلى مستوى العالم كله. في رمضان المبارك: العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم التي في إحداها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وبعملية حسابية تزيد قليلاً عن ثلاثة وثمانين عامًا.. ولقد قدر لي أن أخدم في داكار عاصمة السنغال لمدة سبع سنوات منها سنوات قمت بأعمال القنصل العام ومنها أعوام كنت فيها القائم بأعمال السفارة، وشاهدت كل شوارع داكار يفترشها الناس على ظهورهم ووجوههم إلى السماء، الرجال في جانب، والنساء في جانب آخر، ومنهم من يجلس في مقابلة شاطئ المحيط الأطلنطي طوال العشر أيام الأواخر إلى درجة تتعطل حركة السير وفجأة وبدون مقدمات تسمع من بين المفترشين للشارع «غطاريف» ابتهاجًا منهم بأن بعضًا منهم شاهد ليلة القدر، وبعد ذلك يستمرون أيضًا طوال العشر أيام الأواخر يواصلون مشاهدة السماء أو مشاهد المحيط لعل الله يمن عليهم أيضًا برؤية ليلة القدر، مرة أخرى، ويصبحون صباح اليوم الثاني صائمين ويتوجهون إلى عملهم في تمام الساعة الثامنة صباحًا ويظلون في عملهم طوال اليوم إلى أن ينتهي الدوام حسب ما هو متبع في أيام الإفطار العادية، وبعد صلاة التراويح يفترشون الشوارع على ظهورهم ووجوههم إلى السماء في انتظار رؤية ليلة القدر، (إنا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزل الروح والملائكة فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر).. صدق الله العظيم.. سألت أحد السنغاليين الذين شاهدوا ليلة القدر ماذا رأيت؟ فقال: رأيت نورًا في السماء يجهر الأبصار فدعوت الله جل جلاله. سألت السيدة عائشة بنت أبي بكر زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله إن رأيت ليلة القدر ماذا أقول، قال: عليه الصلاة والسلام قولي: «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني» جزى الله السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن المسلمين خيرًا لأنها بسؤالها لرسول الله علمتنا جميعًا إن شاهدنا ليلة القدر ماذا نقول، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.. كل عام وكل الأمة العربية والإسلامية بخير وأعاده علينا باليمن والبركات.