إعلان عادي جدًا في بلادنا يتكرر باستمرار. هذه المرة بحثًا عن مبنى للاستئجار ليكون مقرًا لأحد فروع الأجهزة الأمنية في جدة. في الإعلان شروط المبنى، ومنها أن يكون من 3 أدوار وملحق ومواقف والخ. هذا مجرد نموذج لإدارات متنوعة: مرور، شرطة، كتابات عدل، محاكم، إدارات تعليم، مدارس، مستوصفات، والقائمة تطول. ومدينة جدة ليست في الهوى منفردة، وإنما هو حال بقية المدن الأخرى.. ربما باستثناء الرياض العاصمة. وما أن يبدأ العمل في هذه المباني المستأجرة المخصصة أصلا للسكنى، إلاّ وتحيط بالزائر له كآبة وغصة، ففي معظم الحالات تصطدم بمكيفات (عطلانة) لا تبرد، وبأثاث رديء مستهلك، وبدورات للمياه مستقذرة، وبنظافة جد متواضعة. طبعا انعكس ذلك على مدارس خاصة مستأجرة، وكليات مستأجرة، ومستوصفات صحية مستأجرة.. شغل تجاري في معظمه، والمواطن هو من يدفع الثمن. السؤال القديم المتجدد باستمرار: إلى متى تظل هذه حال كثير وكثير من الإدارات الحكومية التي تقدم للمواطن خدمات مهمة، فلا هو بالذي يستغني عنها، ولا هي موجودة إلاّ لأجله؟! يبدو أن حسن الطالع وتطور التقنية سيساهمان إلى حد كبير في تقليص الحاجة لمراجعة المواطن أو المقيم شخصيًا لهذه الإدارات متى كان بالإمكان تقديمها إليكترونيًا. لكن المقلق هو بطء عمليات التحول من الإجراء الورقي إلى التعامل الالكتروني مع الاعتراف بأن تحسنًا يطرأ عامًا بعد عام، لكن معدلاته منخفضة وتتطلب تسريعًا يعجّل في ردم الفجوة بين التقليدي والإليكتروني. وفي الوقت نفسه، لا بد من خطة وطنية لاستبدال هذه المباني المؤقتة المستأجرة بمبان حكومية دائمة مصممة لتلبية حاجات الإدارات المختلفة وعملائها من المراجعين، وبما يليق ببلادنا الغالية، وبرغبة قيادتها في تقديم الأفضل لمواطنيها سواء كانوا موظفين أو مراجعين. وتبلغ الحاجة مداها بالنسبة للمرافق الصحية والتعليمية فلا يليق بمريض البحث عن علاج في مبنى يزيده كآبة. ولا بتلميذ يتصبّح يوميًا على مبنى يفتقر لأبسط البيئات الجاذبة لتعليم ممتع وجيد. متى يحل يوم تختفي فيه هذه النوعية من الإعلانات لأن البديل قد توفّر، والحاجة إليها قد زالت! [email protected]