سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العُمدة: اعتمدنا عليه.. فماذا اعتمدنا له؟ لقد آن الأوان لإنصاف العُمد، وإعطائهم حقوقهم كاملة؛ حرصًا على أدائهم لواجباتهم على أكمل وجه، وقبل أن نسألهم عمّا اعتمدنا عليهم به، علينا أن نسأل أنفسنا ماذا اعتمدنا لهم؟
أحْسَنَتْ مراكز الأحياء بمحافظة جدة بعقد ملتقى: «عمدة الحي، من منظور عصري»، الذي تضمن عددًا من الفعاليات المهمّة نُفّذت على مستوى محافظة جدة في الفترة من 20/7 إلى 23/7/1433ه بتوجيه ورعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة. وبالتعاون مع شرطة جدة والغرفة التجارية الصناعية بجدة، وكان لي شرف المشاركة في إحدى ندوات الملتقى تحت عنوان: (لماذا العمدة؟)، وأدار الندوة الأخ الكريم والزميل العزيز سعادة الدكتور يوسف العارف، وشارك فيها العمدة عبدالصمد محمود عبدالصمد عمدة محلة اليمن والبحر بجدة، الذي وصف بدقة كثيرًا من الأدوار الاجتماعية المهمّة التي يضطلع بها عمدة الحي قديمًا وحديثًا، كما وصف العمدة بأنه شخص «كيّس فطن»، وشارك في الندوة كذلك العقيد طلال أحمد الصيدلاني من إدارة الدراسات الجنائية بشرطة جدة، الذي تحدّث تفصيلاً عن الأدوار الأمنية الدقيقة المنوطة بالعمدة، وتبيّن من كلمتي الأخوين الكريمين أن العمدة مسؤول عن مهمات جسام داخل الحي، فهو رأس الحيّ، ومسؤول عن كل فرد فيه، فهو بمثابة الأخ والأب لكل فرد من سكان الحي، إضافة إلى مشاركته الفاعلة في كل القضايا الاجتماعية المتصلة بالحي، كفض النزاعات، ومساعدة الشرطة في القضايا الأمنية الكبيرة وسواها. وحين جاء دوري للحديث عن العمدة وواجباته من منظور عصري، استندت إلى حديث مَن سبقوني عن أدوار العمدة التي لا تُعدُّ ولا تُحصى. وبدأتُ بسؤال: إن كنا نطلب من العمدة أداء كل هذه المهام الملحّة والخطيرة والكبيرة، فماذا قدّمنا للعمدة لنساعده على أدائها؟ وركّزتُ في مداخلتي كلها على معاناة العُمد الكبيرة من التهميش، وهضم الحقوق إلى درجة جعلت أداءهم لمهماتهم أمرًا صعبًا للغاية. وأول هذه الحقوق أن يشعر العمدة بالأمان الوظيفي على أقل تقدير، وذكرتُ أن كثيرًا من العمد لم يثبتوا على مراتب وظيفية رسمية إلاّ مؤخرًا، وتحديدًا في 1/7/1433ه بعد أن كان كثير منهم يعملون على بند، وبعد أن جمد كثير منهم على مرتبة وظيفية واحدة كالخامسة، أو السادسة لعشر سنين أو أكثر. وذكرت أنه بعد تثبيتهم على المراتب الوظيفية لم يتحقق لهم الأمان الوظيفي المطلوب، إذ إن العُمد تتجمد مراتبهم الوظيفية عند المرتبة السابعة، ولا يتجاوزونها. وهو أمر مستغرب، ولا يوجد ما يماثله في وظائف الدولة جميعها، وكثير من العُمد جامعيون، وبعضهم حاصل على درجات علمية أعلى، فما الحكمة من تجميدهم في المرتبة السابعة؟ وبالاطّلاع على لائحة العمد الرسمية، تبيّن أنها تنص على توفير وسيلة نقل للعمدة وهي السيارة بالطبع، وتوفير حماية له، والأهم من ذلك كله بناء مقر دائم لكل عمدة في كل حيّ، وما يحصل على أرض الواقع أن كل عمدة يستعمل سيارته الخاصة للتنقل، وليس لديه أي حماية.. أمّا ثالثة الاثافي وقاصمة الظهر فهي مشكلة المقرات. إذ لم تُبنَ مقرات للعمد في جدة إلاّ أربعة منها فقط، ومعلوم العدد الهائل للمقرات المطلوبة لأحياء جدة الكثيرة. وقد سمعت من بعض المواطنين ما يصعب تصديقه من أن بعض العمد يداوم في غرفة في مسجد، وبعضهم في «بوفيهات»، والسواد الأعظم منهم يستأجر مقرات، ويدفع ايجارها من ماله الخاص، ويصل إيجار بعضها إلى ألفين أو ثلاثة آلاف ريال شهريًّا، يدفعها العمدة من راتبه الضئيل الهزيل. ومن معاناتهم الكبيرة أنه لا تصرف لهم أي عهد، أو هبات، أو أموال تحت أي بند ليستخدموها وقت الحاجة. وروى لي أحد العُمد أن مواطنًا في حيّه شكا مجموعة من الشبان، وجدهم في داره، أعمارهم بين الخامسة عشرة والسادسة عشرة، واتهمهم السرقة، وطلب مبلغ أربعين ألف ريال ليتنازل عنهم، فاضطر العمدة لإعطائه المبلغ كي لا يعرضهم لأن يوضعوا في دار الملاحظة، ويختلطوا بالمجرمين والمنحرفين، فمَن يعوّض العمدة عن مثل هذا المبلغ؟ وقصة أخرى تتصل بامرأة طلقها زوجها، ورماها في الشارع مع أبنائها، ولجأت إلى العمدة فاضطر لاستئجار شقة لها لبضعة أيام من جيبه الخاص، فمَن يعوّضه عن ذلك؟ سوى بعض الفعاليات التي تقام في الحي كالفعاليات الرياضية التي تتكلّف مبالغ طائلة، والمطبوعات التي يحتاجها العمدة، وتكاليف فض المنازعات، وحدّث ولا حرج. لقد آن الآوان لإنصاف العُمد، وإعطائهم حقوقهم كاملة؛ حرصاً على أدائهم لواجباتهم على أكمل وجه، وقبل أن نسألهم عما اعتمدنا عليهم به، علينا أن نسأل أنفسنا ماذا اعتمدنا لهم؟ [email protected]