تعارف الناس والمجتمع ان الإعاقة الجسدية تشكل المفهوم الشامل والوحيد لكل معانى الإعاقة ،ولكن الانسانية وعبر تاريخها الطويل مع الحياة نفت وما زالت تنفي هذه الفهم وهذا الحيود الفكري لتخرج لنا وللإنسانية جمعاء شواهد ابداعية بشرية خلقت بنقص جسدي بسيط ولكن المولى تبارك في علاه عوضها ابعادا ابداعية عظيمة بوأتها تلك الأبعاد مراتب علية في التاريخ الإبداعي للإنسان ، كثيرة هي الأمثلة والشواهد التي تؤكد ما سبق وتثبت ان الإعاقة الجسدية ليست الا تحديا بسيطا يواجهه بعض البشر في حياتهم ولكنه لا يحد طاقاتهم الابداعية من الظهور والتشكل ، وفى المقابل يظهر الكثير من الناس بإعاقة اشد ضررا وبؤسا بل انها تثير في البعض شفقة على هؤلاء المعاقين فكريا.انهم يصارعون متلازمات الجهل والخواء الفكري والمعرفي وموت الضمير احيانا ، قد يتساءل البعض وماهي اعراض ومظاهر هذا النوع من الإعاقة حتى يسهل علينا معالجته ؟، والجواب ان العالم العربي يعج بالكثير من هؤلاء الذين قد تعجبك اجسادهم الغاية في القوة والعافية ولكنهم في الوقت ذاته يصارعون اعاقة فكرية جلية تتمثل فكريا في رفضهم لكثير من صور التسامح والتعايش مع البشر ، فتجد الواحد منهم يتعصب لفكره ومبدئه ليكون فهمه الضيق والمحدود منتهى الفهم والوعي والادراك لديه ويكون الآخرون من وجهة نظره الضيقة مجرد اصفار يسارية لا قيمة لها في الحراك العلمي والاجتماعي والمعرفي ، والمعاقون فكريا في المجال الادبي هم من يأنس بقناعاتهم الشخصية ويعممون ذوائقهم الأدبية على الآخرين ويعيشون في ابراج عاجية معزولين بفعلهم ومنعزلين بفعل عدم فهم الناس لهم ولما يطرحونه من رؤى وأفكار ، اما دعاة الحرية والمساواة ان تطرفوا فهم كذلك يعيشون هذه الاعاقة الفكرية من خلال محاولتهم نسخ كثير من رؤى الشرق او الغرب ومحاولة نشرها في اوساطنا الاجتماعية متناسين ارثنا الفكري والمعرفي ،وهؤلاء يرون في انفسهم وفكرهم بعداً تنويريا يخولهم النطق باسم الجماعة وهم في الحقيقة قلة قليلة بحساب العدد والكثرة ومساحة التأثير .اما ناهبوالمال العام فهم يعيشون كذلك هذه الاعاقة كونهم يحلون لأنفسهم نهب المال العام وسرقته بكل الوسائل شعارهم «خلك ذيب» ومنتهى طموحهم نسبة مئوية من مقاول او متعهد يزيدون من خلالها حساباتهم البنكية ، ولعل هذا النوع من المعاقين يكثرون من افعال الخير بل ان اكثرهم يعيش حالة من الفصام في الأخلاق داخل العمل وخارجه ، بل انهم يمارسون فصلا كبيرا بين مفاهيم العمل وسياساته اليومية وسلوكهم التعبدي داخل مجتمعاتهم . ان لكل صنف من هؤلاء المعاقين احتياجات خاصة تعينه على تقبل نفسه اولا ثم تقبل الآخرين له ليأنس بهم ويأنسوا به ويعيش عيشة طبيعية تضمن له الانتاجية والمشاركة في مجتمعه بصورة تجعله فاعلا ومؤثرا ولعل اهم احتياج يفترض توفيره لهؤلاء كشف حقيقة ذواتهم المنكسرة والمثقلة بحب الذات وتسفيه الآخرين وقراراتهم ، بعده يأتي اعادة تأهيلهم نفسيا وفكريا لا لتقبل حالاتهم السابقة بل لتغيير مفاهيمهم الغريبة واعادتهم الى المجتمع ودمجهم مع مختلف فئاته ، بعد ذلك يأتي دور القوى المؤثرة في المجتمع لإنشاء جمعيات متخصصة لرعاية هؤلاء المعاقين فكريا ودراسة احوالهم ومتابعة امورهم واعادة تأهيلهم ليكونوا اعضاء فاعلين في المجتمع . علي عسيري -جدة