عرّفْنا التوحيدَ بأنه إفراد الله بالعبادة، وأفهمنا طلابنا في دروسه بعضَ مظاهر الإخلال به، والتي وقعت وما زال يقع بعضها، ولكننا نسينا الغرض الأكبر من (التوحيد)، والمعنى الحقيقي له، حينما جعلنا من (التوحيد) معركةَ التكفير الكبرى! ف( إفراد الله بالعبادة) أو (إفراده بما يستحقه من ألوهية وربوبية وأسماء وصفات) هذه تعاريف ونحوها تذكر الشروط التي بها يتحقق التوحيد، لكنها لا تذكر حقيقة التوحيد. مع أن التوحيد المقصود في الشرع، وبكلام يفهمه كل الناس، هو: أن تُحِبَّ الله محبةَ الإله التي لا يَشْرَكُه فيها أحدٌ، وأن ترجوه رجاءَ الإله الذي لا يشاركه فيه أحد، وأن تخافه خوفَك إلهك بما لا يَشْرَكُه في خوفك إياه أحدٌ. وقد يعترض البعض على هذا التعريف، ولا مانع من الاعتراض، لكن (رجاءً) لا تجعل اعتراضك خارجا ب(التوحيد) عن حقيقته ومقصده، إلى استحضار معارك التكفير والتضليل! إن التوحيد: ليس هو في الأصالة المادةَ الموضوعةَ للتكفير، بل هو مادةٌ موضوعةٌ للإيمان: لإدخال الناس في الإيمان، ويأتي التكفير بعد ذلك فصلا مهما جدا مكمِّلا في آخر فصوله. ولكن انظروا كيف صار يُدرَس التوحيد؟ صار يَدرُسُه من يدرسه ليعرف: متى يستطيع أن يُكفِّر الناس (وليتنا نتقن هذا التكفير!)، لا ليعرف الدارس كيف يُحِب هو اللهَ كما لا يُحَب أحدٌ (والذين آمنوا أشد حبا لله)، ولا ليعرف كيف يُحَبَّبُ اللهُ إلى عباده كما لم يُحبّوا أحدا! وأسماء الله تعالى وصفاته وتوحيد الله بها: إنما عرّفَنا الله تعالى بها: 1- لكي نوحده بحبه بها وطاعته عليها وتعظيمه لأجلها 2- لكي نستشعر تجليات معاني تلك الأسماء والصفات في الوجود، فنرى في الوجود قدرته وحكمته. وجماله تعالى، فنرى شواهد ذلك الجمال الرباني في مخلوقته عز وجل. 3- لكي أرى في نفسي آثار عدله ورحمته ولطفه ومغفرته! فماذا صارت تُعلمنا كتبُ العقائد؟ وبماذا يتخرج عامة المختصين في العقيدة؟ هل تخرجوا دعاةَ محبةٍ لله بمعرفة أسمائه وصفاته؟ هل هم رُسُلُ مودة وسلام كما أن الله تعالى هو الودود السلام؟ أم كانت كتبُ العقيدة كتبَ معارك فكرية: للتبديع والتكفير، تقوم إما على المزايدة على التنزيه، أو المزايدة على التسليم للنص، أو المزايدة على التَّعقُّل، أو المزايدة على تعظيم السلف!! فكيف سيتخرّج من هذه المناهج رُسلُ التبشير الحقيقي بحقيقة المعرفة بالله تعالى؟! وأنَّى ننتظر أن نجني من تلك المعارك إلا مَقاتل جديدةً تُصيب وَحْدةَ الأمة وصفاء الأخوة الإسلامية في مَقْتل! حتى (لو) وهي حرف، وهي مجرد حرف، لم تنجُ من معاركنا العقدية! فعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تعمل عمل الشيطان)، حرّمنا التطق بهذا الحرف، حتى في مكانه الصحيح المباح وفي موضعه اللائق، وهو أن نعرف بهذا الحرف أخطاءنا ونعترف بها، لنحذر من تكرارها. فإذا ما أخطأ شخص، لا يحق لك (بهذا الفهم المنكوس) أن تقول له: لو لم ترتكب هذا الخطأ لما وقع لك هذا! ولا يحق له حتى هو أن يقول هذا لنفسه! لا اعتراضا على قدر الله، ولا ندما يصيبه بالفشل وفقدان الأمل، بل ليعرف خطأه، فلا يكرره مرة أخرى! ونحن حين أثرنا معركة النطق بهذا الحرف، وقعنا في الندم المقعِد وفي الشعور بالفشل، وهذه المشاعر هي إحدى أهم المعاني السلبية التي منع الشرع لأجلها استعمالَ ل(لو). فلا نحن عرفنا متى تحرم (لو)، ولا نحن حين منعنا نطقها منعنا أيضا معناها السلبي الذي حُرمت لأجله! فكنا كاليهود: الذين حُرمت عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا ثمنها. فتركنا (لو) حتى في موضعها الصحيح، ووقعنا في بعض أخطر المعاني التي تُستعمل فيها! ونماذج ذلك كثيرة في مناهجنا وكتبنا، أو في مخرجاتها من طلبة علم الذين ما زالوا يتعثرون ب(لو)، ويتردد الفهيم منهم فيها: متى تحرم، ومتى تباح!! فلو خرجنا من صندوق المعارك التوحيدية، ومن عقدة عقائد التحزبات المذهبية، إلى حقيقة التوحيد، ومقاصد العقائد، ربما رجعنا كما كان السلف الصالح: رُسل مودة وسلام، ومحبة ووئام!