التقيته دون موعد في مطار الرياض وكان بيننا حديث غاص في الأعماق فتحدثنا عن قضية المتغيرات التي حدثت وستحدث في مجتمعنا وفي طريقة تناولنا لوجبات الحياة ، كان مفتاح الحديث عنه شخصياً وأحواله فقد غاب عني سنوات كنت أظنها قريبة جداً لكنها تجاوزت الثلاث سنوات تقريبا ، ولأن طبيعة عمله وموقعه خارج المدينةالمنورة فقد كان هذا هو أهم محور دار حوله الكلام ، خاصة وأنه يعيش وحده وفق موقع عمله دون زوجة أو ولد ذلك بسبب رفضهم الانتقال معه ورضوا العيش في بيتهم دونه ، وقلت له : وماذا بعد ، وإلى متى ، وما الذي ستكسبه ، ومن المؤكد أنك تفتقدهم وهم أيضا يفتقدونك بجوارهم ، وأنت تعرف كم يحتاج الابن إلى صحبة أبيه وتعميق العلاقة بينهما ،خاصة في مرحلة المراهقة ، كما أن الزوجة ستشعر ببرود العلاقة الزوجية نفسياً وبالتالي ستتبلد مشاعرها نحوك لأنها مضطرة إلى ذلك . كدت ألا أقف عن الحديث الوعظي إلى صديقي الذي اشتقت إليه لغيابه الطويل عنا ، وكان له دور كبير في تشجيعي على الحديث عندما تحدث عن أحد زملاء عمله من الغربيين والذي قال له : إن حياتكم تختلف عن حياتنا كثيرا ، فأنتم لا تحبون التحرك في حياتكم وأعمالكم ، في الوقت الذي لا نثبت نحن في مكان واحد ولا عمل واحد ، لكنكم ستجدون أنفسكم ذات يوم وقد صرتم مثلنا !! قال له صديقي :إن لنا حدوداً في كل أمورنا ، فإذا بلغنا الحد توقفنا ، فلدينا قيم ومبادئ وعلاقات اجتماعية والحياة ليست هي المال والبحث عنه بأي وسيلة ولو على حساب حياتنا وقيمنا !! والعجيب أن صديقي هذا الذي تحدث بهذه الصورة المثالية والجميلة قد تورط تقريبا فيما حاول توضيحه للخواجة ، ولذلك يبدو أن لابد أنه سيعيد النظر في مسيرة حياته التي حرم فيها من دفء العلاقة العائلية وحرم من أفراد عائلته الذين يحنون إليه ويشتاقون لوجوده بينهم ليعيشوا حياة أسرية مفعمة بالحب والمودة والرحمة والعطف والحنان ، لأن المال مهما كان لن يعوضهم عن أبيهم وراعي بيتهم ، ولن يعوضه المال عنهم مهما بلغ رصيده ، لكن صديقي الكريم يحاول تبرير ما هو فيه بضغط العمل الذي يعيشه خاصة وأن الشركة التي يعمل فيها هي التي ترغب فيه وتطمع في خبراته وجهوده ، وبالطبع فهي توفر له كثيرا من المحفزات المادية والمعنوية لكنها لن توفر له أي درجة من دفء العلاقات الأسرية مهما أنفقت من أموال أو منحته من حوافز ومكافآت. هذه القضية الخطيرة والتي تتوالد منها كثير من المشكلات الاجتماعية والسلوكية والأمنية ألا تستحق من كل المجتمع أفرادا عاديين ومختصين ومهتمين ومؤسسات أهلية وحكومية شيئا من الاهتمام والدراسة والمناقشة؟ [email protected]