يقوم المخرج السوري فهد ميري بوضع اللمسات الفنية الأخيرة على مسلسله التلفزيوني الجديد (صراع المال)، وهو العمل الذي يعرض في رمضان المقبل ويشارك فيه مجموعة من نجوم الدراما السورية واللبنانية مثل : نادين خوري، بشار اسماعيل، فايز قزق، ديما قندلفت، كندة علوش، عبد الحكيم قطيفان، محمد حداقي، مجدي مشموشي، نيكول طعمة. يقول ميري رداً على سؤال حول مغزى صراع المال في وقت تشتد فيه الأزمة المالية العالمية حول الدراما السورية نفسها: «مسلسلنا يتتبع الخطوط الرئيسة للصراع القائم بين الفكر ورأس المال، اذ يمكنك أن تكون صاحب مبادئ إذا شئت، ولكن يظل هذا كله يدور في حلقة مفرغة إن لم يكن هناك من يعينك على تجسيد أفكارك المرئية واشهارها على الملأ. والشيء المهم في رأيي هو أننا نحكي في المسلسل عن شرائح اجتماعية لا تملك من مصائرها المرسومة بدقة شيئاً، وانما هي تتحرك وفق مصالح وتسيّد رأس المال الذي يتلاعب بها. المال هنا يخدم المال، ولايقوم على خدمة المشاعر الانسانية، وهو ليس لديه العواطف، وبالتالي فإن هذه الشرائح الاجتماعية مبتلاة بسلطة قوية هي سلطة المال». ويقول المخرج ميري مستدركاً كي يخفف وطأة الصورة القاتمة التي يرسمها بحديثه كما يبدو: «لا شك أننا نجنح في صراع المال لأول مرة في الدراما السورية نحو الحب الستيني إن جاز التعبير، والذي يدهم أصحابه في سن متقدمة، وهو الحب الذي لا يتجه نحو الزواج، بمقدار سعيه الى بلوغ النقاء الانساني الذي هو أعلى مراحل الحب». ومع ذلك يعود فهد ميري إلى الصورة ذاتها مضيفاً: «نحن نحكي أيضاً عن عالم الفساد المتشكل بنتيجة سلطة المال، وتحكمها الجائر بمصائر الشخصيات الرئيسة في المسلسل والتي تتجه من دون ارادتها نحو فساد العلاقات الاجتماعية وتشوهها. الأمل بطبيعة الحال إن كنت تسأل عنه فسحته ضيقة للأسف الشديد، ثمة الكثير من العلاقات الانسانية التي تتدهور بسبب هذا الفساد، فهي عندما تبدأ الحلم بطريقتها يجيء رأس المال ليهدمها، وكأن قدر هذه الشخصيات هو أن تظل فاقدة للحب الحقيقي». اعتراف مناقض ولا يخفي المخرج ميري ضمنياً أنه يسجل بكلامه اعترافاً بأن الدراما السورية لم يكن ممكناً لها أن تتحقق وتنتشر من دون رأس المال الذي استخدم في انتاجها ويقول: «تسع وتسعون في المئة من شركات الانتاج في سورية تعمل برأسمال خارجي، وربما باستثناء دراما القطاع العام، فليس ثمة انتاج وطني صاف. وهنا يتبادر سؤال إلى الذهن حول طبيعة وشروط هذا المال الذي لا تهمه بالتأكيد مشاكل المجتمع السوري. صحيح أن سورية تعتبر في هذا المجال بمثابة ستوديو مفتوح، وفيها خامات تمثيلية وفنية ممتازة، ولكن الأجدى هنا أن تكون هناك مؤسسات وطنية داعمة لهذا الانتاج، ولا أعتقد بعدم وجود مؤسسات غير قادرة على الصناعات الدرامية برأسمال سوري». وعما إذا كان يضمن اجابته اعترافاً بوقوع الدراما السورية نفسها تحت سيطرة المال يقول ميري : «بالطبع كل شيء فيها واقع تحت سطوة المال، فهو من يحرك كل شيء من حولها، وهو من يسيطر على العلاقات الانسانية، فبقدر الكشوفات العلمية المذهلة التي كان مسؤولا عنها، فإنه مسؤول بالمقدار ذاته عن نخر العلاقات الانسانية من الداخل. فنحن الآن نفتقد إلى وجود الانسان الذي يتحدث عن العاطفة الانسانية ويتنفسها في حياته وأكله وشربه، نحن نفتقر في حياتنا ودرامانا إلى المعاني الانسانية النبيلة والشعر والصفاء الانساني». وحول ماإذا كان مسلسل «صراع المال» يبحث في أصل هذه المفقودات التي يتحدث عنها ميري بنوع من الحنين يقول : «بالطبع، وإن كان يخيل إليّ أن الدراما لا تستطيع أن تقوم بحمل كل الأشياء، ولكن يمكن لنا أن نلاحظ في سياق الأحداث أن الابن سيهجر عائلته بتأثير سلطة رأس المال عليه، ويتحول إلى أصولي متشدد، ليصبح ذا طاقة تدميرية مثل المال نفسه». وعما إذا كانت هذه المفقودات هي المعادل البصري لكل هذه الموضوعات القاتمة التي يميل إلى معالجتها في مسلسله يقول ميري: «يمكن لنا أن نتعرف في المسلسل إلى الكاتب مروان (فايز قزق) الذي يحاول أن يظل نظيفاً، وأن يعتاش من كتاباته، ولكن الفكر الذي يحمله يصبح أداة لتلويثه، والنيل من مبادئه. فهو عندما يرتبط بصداقة خاصة مع رجل أعمال متنفذ يقوم هذا الأخير بهدف الايقاع به بتأسيس جائزة خاصة تمنح للأعمال الأدبية، ويشكل لجنة، ثم يقوم باختيار روايته لتكون رواية العام الفائزة. وهو يفعل ذلك كي يحكم الطوق من حوله ويوقع به ويجره إلى مستنقع الفساد، ومع ذلك نحن نترك للكاتب الفرصة ليحفظ شيئاً من كرامته عندما يقوم برمي المال الذي حصل عليه من الجائزة، ولكننا نؤكد على أنه مهما بلغ الحرص على الأفكار، فإن سلطة رأس المال قد تكون أقوى منها بكثير في بعض الأحيان». لم يولد بعد فهد ميري يعرف بالطبع أن الكاتب المبدع الذي يمكنه أن يعيش في العالم العربي من وراء كتاباته ربما لم يولد بعد، ويقول: «نحن مازلنا نتكلم على صعيد أن الكاتب غير قادر على أن يؤمن مبلغاً زهيداً للانفاق على زوجه الحامل، فما بالك بمتطلبات الحياة الأخرى، ونحن نعرف أن ليس هناك كاتب عربي بوسعه أن يعيش بالفعل من كتاباته، اللهم باستثناء مثال أو مثالين، وهذا بالطبع موجود في المسلسل ويرد على لسان الصحافي الذي يؤدي دوره محمد حداقي». ولاينكر ميري أبدا أنه يرسم صورة سوداوية بالرغم من أنه يستعين بسلطة رأس المال لينجز مسلسله ويتساءل عما إذا «كنا نعيش بالفعل في جوف السعادة، وفي النهاية عندما نرسم صورة للواقع، فإننا نؤكد على مهمة الدراما بصفتها انعكاساً لهذه الصورة، وليس لمظهره الخارجي فقط، وانما لعوالمه الداخلية». وحول شيوع مصطلح المال في أكثر من مسلسل سوري يقول ميري أخيراً: «عملنا كان يحمل اسم «بيادق»، وهو الاسم الذي يحمل العمل بالمعنى الأدبي، ولكن بوصفنا نتحرك بتأثير سلطة رأس المال، فقد ارتأينا أن يكون «صراع المال».