وتكملة لمسيرة البحث عن أسباب تفشي الفساد في بعض مؤسساتنا الإدارية وغيرها نعرج اليوم على عنصر آخر لا يقل خطورة وأهمية عن مجال التعليم الذي تحدثنا عنه سابقا ، وهو « البيت « أو « الأسرة « وجميع ما يرتبط بها من علائق اجتماعية عائلية وقرابة ، ثم البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد من جيران ومعارف وأصدقاء ، فهؤلاء كلهم يقومون بأدوار يكمل بعضها بعضا في بناء شخصية الفرد منذ نعومة أظافره وحتى آخر أيام حياته ، ولما للبيت والأسرة من أهمية وأولوية في تشكيل شخصية الفرد سلبا وإيجابا كان لابد من الحديث عن دورها الخطير في غرس مبادئ «الفساد « بكافة صوره وأشكاله في كينونة الناشئة ، وقد يرفض الكثيرون هذه النظرة ويعتبرونها نوعا من المبالغة في إلصاق التهمة بالبيت أو الإجحاف بدور الأسرة المتعارف عليه ، وهذا لا اختلاف عليه ، ولكن ولأن مشكلة الفساد تكاد تنهش أوصال جسم مجتمعنا من جهات متعددة فإن توجيه أصابع الاتهام نحو الأسرة ليس ظلما لها ولا إنكارا لما يجب عليه أن تقوم به ، علما بأنه لا غبار على الدور الإيجابي الذي يفترض أن البيت يقوم به في تربية وتوجيه أبنائه ، ونحن لا نوجه تهمة جزافا ولكن لأن الواقع مرير كان لابد من الحديث صراحة وبكل شفافية ، راجين من الله أن يستيقظ البيت ويتحمل مسئوليته العظمى أمام الله أولا وأخيرا0 لا يمكن إنكار أن حياة الترف والدلال المتطرف وإشباع كل أو معظم رغبات وتطلعات الطفل بكل يسر هي الخطوات الأولى على طريق إفساده مستقبلا ، لأنه إذا تعود على توفيرها وإن كانت غير معقولة أو منطقية وغير مقبولة أدبا وخلقا ودينا فإنه سيسعى لتحقيق كل ما يحلم به في حياته عندما يصبح رجلا ويتربع على كرسي المسئولية وبيده مفاتيح القرار وبين يديه وسائل إشباع التملك ولو على حساب الدين والحقوق العامة ، ولن يقف أمامه أي حائل لصده أو حرمانه مما لا يحق له ، وهو يفتقد أي مبادئ أو قيم تمنعه من الوقوع في سرقة أموال الآخرين والتعدي على حقوقهم خاصة إن كان ذا منصب وجاه ويملك سلطة تمكنه من تحقيق وتلبية شهواته ظانا أنه بعيد عن أعين الرقابة أو المحاسبة ، وقد يشعر في معظم الأحيان بأن أي أحد يعترض عليه أو يحاول إيقافه عند حده إنما هو عدو لدود يحاول حرمانه مما يحق له ويحل له ، وحتى لو تمكنت الجهات المختصة من كشف أمره فهو موقن بأنه مظلوم وأن ما حصل عليه إنما هو حق شرعي له لا غبار عليه ، بل قد يجد من يدافع عنه أو يوكل محامين للدفاع عنه أمام المحاكم 00!! ختاما اعتقد أن الصورة وضحت وأن دور الأسرة في تكوين شخصية الفاسد ماليا وإداريا أصبح معروفا ، وقد لا تشعر الأسرة أوقد يغيب عنها خطورة ما قامت به عن غير قصد ، وهذا لا يعفيها من تحمل المسئولية لتتفادى مستقبلا المساهمة الفاعلة في تدمير مجتمعها وتحطيم قيمه ونشر الفساد في ربوعه00! [email protected]