النص الأدبي يأسرك من جوانب عدة، لا تستطيع معها أن تغفل جانبا، وتركِّز على جانب، فعناصر الإبداع متداخلة في النص، منها ما يكمن في الخيال الشعري، ومنها ما يظهر أثره في العاطفة المتقدة، ومنها ما يتضح في الأسلوب، ومنها ما تحمله الفكرة الجميلة التي تصورها تجربه المبدع وتنقلها إلى القارئ بشكل يؤثر في الوجدان، ويحمل صدى العاطفة. وعلى هذا فالنص الأدبي يحمل على عاتقه قيمتين بارزتين مترابطتين، إحداهما: المتعة الأدبية التي تتحقق في جمال الأسلوب، وبراعة الصياغة، وحسن الأداء.. وهذا جانب يتمايز فيه الأدباء، وتتفاوت فيه مقدرتهم، وتتضح فيه صورة الإبداع والتفوق لدى الأدباء. أما القيمة الثانية: فهي المنفعة الأدبية، التي تبرز صورة الفكر والوجدان، ويتضح معها المضمون الأدبي الذي أراده الأديب، والفكرة التي ساقها في نصه الأدبي، وهذا جانب له قيمته في الأدب، بل هو يعبر عن رسالة يتشوق إليها القارئ، ويرصد درجة تفاعله مع النص الأدبي، وما يمكن أن يبثُّه في وجدانه من صور الفكر، ودرجات العاطفة. وهذا يدل على أن ثمَّة تلازمًا بين شكل النص المتمثل في لغته وأسلوبه وجوانب التصوير والخيال فيه، وبين مضمونه، الذي يحمل فكر الأديب ورؤيته، ومنطلقه الأدبي، وعاطفته، ونجاح تجربته. وهذا التلازم أشار إليه النقاد القدامى والمحدثون، فالألفاظ في نظر ابن رشيق القيرواني أجساد، والمعاني أرواح، ولا انفصال بينهما إلا كما تنفصل الروح عن الجسد. وهذا يدل على عنق الترابط في التجربة الإبداعية. أما المناهج النقدية الحديثة كالشَّكلانية، والبنيويَّة، والتَّفكيكية فإنها تنظر إلى النص الأدبي من زاوية واحدة، وتخوض في تحليلها النقدي من منظار الشكل دون سواه، فلا علاقة لها بالدلالة ولا بالمضمون الأدبي، ويُعتبر الناقد قد ارتكب محظورًا إذا دخل في غمار الدلالة أو لامس فكر النص ورؤاه ورسالته التي يحملها إلى المثقفين. وهذا في تصوري قصور معيب في العملية النَّقدية، لا تكتمل معه الرؤية الكاملة للنص الأدبي، بل هي كمن ينظر بعين واحدة ويغمض الأخرى ويعطِّل دورها، أو كطائر يطير بجناح واحد، فما يستطيع أن يحلق في الأفق، بل ما يلبث ان يسقط، ويهوي إلى مكان سحيق. *الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية.