الدكتور صالح زيّاد أستاذ النقد الأدبي الحديث بكلية الآداب جامعة الملك سعود بالرياض في استهلال حديثه حمل على النقد الأكاديمي في عدم مسايرته للإبداع وعدم تتبع خطواته مبينًا ذلك في ثنايا قوله: لقد رأينا أصوات الشعراء والروائيين والتشكيليين والمسرحيين... إلخ إضافة إلى النقّاد الصحفيين تجأر بالشكوى من تجاهل الأكاديميين للتجارب الإبداعية، أو إنها لا تنفعل بجهدها التجديدي أو لا تكترث بكثرتها... وما إلى ذلك. ويستدرك زيّاد بقوله: لكن عدم مسايرة النقد الأكاديمي للإبداع ليست بالضرورة تخلّفًا فيه، ولا علاقة لها بنجاح التجارب الإبداعية ورواجها؛ فالكتابة الفاشلة لن تروِّج لها ولن تجذب الناس إلى تلقيها كتابات النقّاد ما دامت هي عاجزة عن امتلاك ما يأسر القراء إليها. وصمت النقّاد أكاديميين أو صحفيين عن بعض التجارب له أكثر من سبب، فقد تكون ضعيفة وقد تكون خارقة، وهذان طرفان متقابلان لإسكات الناقد. إذ ليس النقد مجرد مدح أو ذم، وفي الحالتين ربما لا يجد الناقد ما يقوله أو أن عليه أن يتحرى سببًا أو إطارًا أو فكرة ما للقراءة. النقّاد الأكاديميون كالأدباء المنشئين فيهم التقليدي والطليعي، وفيهم من يعشق الجديد والمختلف والمغامِر ومن يأنس بالعادي ويطمئن إلى المألوف. معظم الشكوى من عدم متابعة النقد الأكاديمي للإبداع تأتي من الرغبة في سماع صوته أو الانعكاس في مرآته وهي حوافز ذاتية لدى أصحاب النتاج، فالأديب يتشوّق إلى سماع رأي من يقرأ، ولا تصدق من يقول إنني أكتب لأعبّر عمّا في نفسي أو لأتنفس ولا أفكر في القارئ، فلا كتابة بلا قارئ. عندما لا يكاد المنشئ يسمع رأيًا فيما يكتب أو عندما تتنوّع الإبداعات في الساحة وتكثر وتختلط الآراء بشأنها، يأتي اللجوء إلى الأكاديمي كأنه يملك الختم الذي يطبعه على الكتابات المختلفة فتمتلك الصدقية والمشروعية والثناء ويحجبه عن أخرى فتموت!! كلا، ليس الأمر هكذا. ويتابع زيّاد مضيفًا: في كل نقد -مهما ادعى الموضوعية والعلمية- ذاتية بشكل أو بآخر، لهذا ينتقي الناقد ما يقرأه، ولهذا يتحمس فيؤلف، ويعيد ويبدئ... الفرق فقط هو في شكل هذه الذاتية الذي يبدو انفعاليًّا وغير مسبب أو أنه يمتلك عقلانية سببية ومنهجًا في الوصف والتفسير. منذ وعى النقد تهافت قصدية الكاتب ومنذ اشتد تآكل هذه القصدية في النقد الجديد وصولاً إلى إمبراطورية القارئ، على نحو ما عرضت في كتابي «القارئ القياسي»، ابتدأ الوعي المنهجي ينظر إلى مسألة الذاتية من خلال حسابات بعيدة عن الفكرة العلمية التقليدية الصارمة التي ترى الذاتية -بالمطلق- ضدًا للعلمية ونفيًا للمنهجية والموضوعية. ويرجع زياد نقمة المبدعين على النقّاد الأكاديميين إلى أسباب عدة تبرز في قوله: هناك أسباب مختلفة باختلاف مستوى إطار الأدباء الذين نحسب من خلالهم درجة ونوعية هذه النقمة. فمن جهة يبدو التفسير المنهجي والعلمي للإبداع وكأنه يسحق الفردية والذاتية التي تبدو من وجهة المبدعين عمومًا أساس إبداعهم وقاعدة وعيهم به وبمؤسسة الأدب والفن. ومن جهة أخرى تبدو هذه النقمة لدى بعض الأدباء بحثًا عن مشروعية نوعية لما يكتبون، وصدى، وانفعال، قل هي مشروعية المؤسسي إن كانت نسبة النقد إلى الأكاديمية تقصد هذا المعنى، أو هي مشروعية العلم المنهجي، أو هي مشروعية الأستاذ والعالم... إلخ. وهي في جانب ثالث، تبتعد عن هذا وذاك لأنها تغدو لدى بعض الناشئين طلبًا للتعلّم والمعرفة ومن ثم هروبًا من مسؤولية الضعف والتفاهة وأخطاء اللغة والأسلوب، وللأسف ما أكثر هؤلاء خصوصًا في المملكة والخليج، ولا أحد يستطيع أن يُعَلِّم أحدًا الإبداع، هكذا نمضي في تصور مضاد للإبداع ومناف له وفي المؤدى نحن نجهل الإبداع ونشيع الجهل به. ومن غير شك سنجد طائفة من الأدباء ذوي النزوع إلى التجريب والمغامرات الإبداعية، يضيقون بالنقد الأكاديمي لأنه -برأيهم- معياري ومنغلق في قواعد تضيق بها طاقات الإبداع وآفاقه، وهذا الموقف هو المقابل تمامًا لموقف الفئة التقليدية من الأدباء الذين يجدون في عدم الاكتراث بهم والالتفات إليهم سببًا للنقمة على النقد لأنه مشغول دومًا بالجديد ومتطلع إليه وحفي به!. ويستطرد زيّاد في حديثه قائلاً: إننا حين نقول ذلك عن النقد الأكاديمي فنحن نعلن موته. كل معرفة تحيا بالتجدد والتطور، وكل معرفة لا تتطور تموت، وموت المعرفة أو انتهاؤها يعني موت الإنسان ونهايته. النقد الأكاديمي متطور ومتجدد ولم يكف عن ذلك، وحركة التطور والتجدد والتحول التي اعترته في القرن العشرين وفي مطلع هذا القرن كانت مهولة، فقد تتابعت في غضون هذه الفترة القصيرة بحساب الأجيال والحقب العديد من المناهج والأفكار النقدية، وأعاد العالم استيعاب التراث القديم وفق مناهج حديثة في القراءة والتأويل، إضافة إلى ما خلقه هذا التطور من وعي بالمنتج الإبداعي والفني لا ينفصل عن جملة الوعي بالإنسان الذي أصبح وعيًا يكافئ التطور المعرفي الطبيعي والتقني المذهل. وعالمنا العربي ليس بمعزل عن التطورات المعرفية بالعالم فقد بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر صلتنا الثقافية بالغرب عن طريق استيعاب الفكرة النقدية لدى رواد النهضة، وكان المدلول الجامعي للدراسات الأدبية والإنسانية أول ما نشأت الجامعة عربيًا في مصر قرين سؤال المنهج الذي ظل سؤال النهضة والحداثة والوعي بالتخلف بأكثر من معنى، وبقي سؤالاً مفتوحًا ولم تنته إجابته أو تصل إلى حسم، ولو حدث ذلك لتوقف الفكر عن التجدد وعن الجدل الذي يتقدم به الوعي مثلما تتقدم به الحياة. فضيحة أساتذة النقد ويؤكد الدكتور صالح الزهراني أستاذ النقد بجامعة أم القرى بمكة المكرمة صحة الاتهام الموجه للنقد الأكاديمي بأنه بعيد عن مسايرة الإبداع، قائلاً: إن أغلب النقد الأكاديمي عرض نظريات ومراجعة كتب، وهذا جزء مهم من التفكير النقدي، فالمشكلة الحقيقية أن لدينا أساتذة نقد وليس لدينا نقاد. النقّاد مثل الراحلة في إبل مائة لا تكاد توجد. كما يجب على النقد أن يكون موضوعيًا وإلا فقد قيمته، لكن مع كل هذه الموضوعية لا توجد قراءة بريئة، مناهج النقد تحاول تحييد نشاط الأهواء وقد تفلح في ترويضها لكنها موجودة ولا يمكن القضاء عليها، لكن حضورها أو غيابها مرهون بالمنهج وثقافة الناقد ومهارته، ولا شك أن عودة الذاتية للنقد ستكون ردة نحو الأحكام الانطباعية والأهواء. ويضيف الزهراني: إن المبدع يريد من يتابع حركة الإبداع، ولكن أستاذ النقد فاقد للشيء وفاقد الشيء لا يعطيه، مواجهة النصوص هي ورطة النقّاد وبرنامج أمير الشعراء أكبر دليل على فضيحة أساتذة النقد الأكاديمي. فالقضية ليست تلبية مطالب، القضية قضية موقف ثقافي ومعرفة، اليوم الناقد يائس من المبدع، والمبدع يائس من الناقد غياب الثقة بين الطرفين ولّد هذا الصمت. والبيئة العلمية شديدة القحط، لأن الصحافة مشغولة بعقود اللاعبين، وإعلانات التجار، أما المعرفة فلا مكان لها في زمن ثقافة الأشياء. اجترار النظريات ويستند الدكتور عبدالرحمن المالكي على مقولة شار ديجول رئيس فرنسا الأسبق «إذا الجامعة بخير ففرنسا بخير» للتدليل على مكانة الجامعة وما يجب أن تكون عليه بقوله: هذه المقولة ليست إحدى المقولات الأثرية؛ بل تقع موقع التطبيق في الغرب، فالجامعة هي مركز القوة في قيادة المجتمع والتخطيط لمستقبله ولا عجب أن تخرج من رحم الجامعة النظريات النقدية العالمية كالواقعية والبنيوية والتفكيكية التي قامت بإشارة بدءا من الجامعة ثم انطلقت إلى الواقع وهو ميدان التطبيق، وإذا كان هذا هو حال الجامعات في الغرب فما بال الجامعات العربية التي أصبحت تعيش سكونًا وسباتًا عميقين.. فالجامعات العربية لم يعد همها الآن سوى اجترار النظريات التي ينتجها الآخر، ويظل الأكاديميون يرددونها على مسامع أنفسهم وطلابهم حتى فقدت هذه النظريات بريقها، وهذا الحديث ينسحب على كافة العلوم الإنسانية. تناغم المبدع والناقد حزمة من الأسئلة وضعها الشاعر سعد بن سعيد الرفاعي في مستهل حديثه مستفسرًا عن المقصود بالنقد الأكاديمي، وهل هو الممارس داخل الجامعات أم المؤطر وفق نظرية وضعها الأكاديميون، وما الذي يعنينا من نقمة الأديب أو رضاه عما يمارس من نقد، وهل له حق الوصاية على نصه الإبداعي، ومن يملك الحق في تحييد الذات.. لينطلق من هذه الأسئلة إلى القول: إن النقد في مجمله كنظريات وأسس هو نتاج دراسات متأنية لنصوص إبداعية؛ فالنص الإبداعي هو مدار الاهتمام والاستقراء والدراسة، والنص لا يمكن أن يثير ما لم يكن متسمًا بالخلق والإبداع والابتكار، وهي عملية لا يمكن تجريد الذات عنها.. إننا نتحدث عن الأدب والأدب موضوعه الإنسان.. الذات.. الشعور.. نوازع النفس البشرية.. وعندما نطالب بإلغاء الذاتية فكأننا نلغي الأدب نفسه. دور النقد الصحفي ويشارك الروائي عبدالحفيظ الشمري قائلاً: لا بد لنا من الولوج إلى الفكرة الأولى لقضية النقد الأدبي الذي وسم لدينا بشرطية الإبداع؛ فحينما حلت التجربة التعليمة لم تكن بذلك الهاجس التربوي التعليمي وإنما بدأت بالوصاية المطلقة على كل ما يقال ويكتب، فقد تبين لنا جميعًا من خلال القراءات والمتابعات أن الإبداع يأتي من خلال المعلّم حيث أدركنا أن الوافد إلينا في مهام التعليم من مصر والشام ممن يتعاطون القليل من التجارب الإبداعية التي كان كثير ما يمكن أن يقال عنه أنه أدب. إلاّ أنه وحينما تطور التعليم وأصبح لدينا مرحلة جامعية انتقلت ذات الصورة إلى أساتذة الجامعات وأصبحوا يمارسون ذات الوصاية التي كانت في السابق، وأصبحنا مع هذه الصورة الدراماتيكية في التعليم وفي الحفظ وفي التلقين وفي كلّ شيء حتى في تجربة أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، فأصبحنا كتجربة جديدة من المبدعين والمثقفين والمفكرين نتحسس كثيرًا من ظاهرة النقد الأكاديمي الذي بدأ يمارس الوصاية حتى يومنا هذا، فلم يجرؤا على مناقشة الأمر بشكل جاد لقلة من يتعاطون النقد الأكاديمي بشكل مطلق، ولو أن هناك تجارب كما يطلق عليها بعض (الخائبين) بأنها نقد صحفي ففي اعتقادنا أن النقد الصحفي الذي نراه الآن هو من يسند التجربة الإبداعية ويقيمها ويضعها على المحك ويناقشها في عناصر قوتها وضعفها، ولا ننسى ما يطرح الآن من كتابات نقدية صحفية لدى عبدالله الغذامي، ومعجب الزهراني، ومعجب العدواني، وسعد البازعي وغيرهم كثير وليس حصرًا على هؤلاء فقط فأشبه تجربة هؤلاء بتجربة محمّد العبّاس، ومحمد الحرز، وعلي الشدوي، وأمل القثامي إذْ إن هؤلاء في نظري يعادلون المشروع النقدي الأكاديمي الذي أصبح لا يقدم النقد الجديد للنص الأدبي الذي يمكن أن يركن إليه كذائقة، إلاّ أنني أعوّل كثيرًا على ما يكتبه المبدعون عن إبداعهم، فكُتّاب القصة ستجد أنهم أحرص على نصهم حينما يتناولونه، فهم من يقومون بتحريك الماء الراكد في تجربتهم، وكذا الشعراء والروائيون وغيرهم من أصحاب الإبداع بعيدًا عن النقد الأكاديمي الذي لا يأتي إلاّ متكئًا على النظرية النقدية كاملة. تهمة مردودة وينفي الناقد الدكتور عبدالرحمن الوهابي أن يكون هناك اتهام موجه للنقد الأكاديمي بأنه بعيد عن مسايرة الإبداع صحيح، حيث يقول: لا أحسب ذلك صحيحًا، هناك بحوث ودراسات أكاديمية تتابع الإبداع ليس السعودي فحسب، بل والعربي ما يدل على المتابعة والتقصي، وهناك أيضًا طلاب وطالبات الدراسات العليا الذين يقومون ببحوث ومتابعة وتوجيه من الأساتذة، نحن في قسمنا بجامعة الملك عبدالعزيز نقوم بهذا الدور ونسعى دائمًا لتطويره، لقد حصلت بعض بحوث الطالبات والطلاب على تقدير ونشر وأنتجنا العديد من النقّاد والناقدات على الساحة الأدبية، وكل المواد التطبيقية هي النتاج الإبداعي المتنوع، المشكلة هي أن النقد الأكاديمي أو العلمي لا تسعى إليه الصحافة، والإعلام المختلف لا يتابع ذلك وله أجندة وتوجهات بعيدة عن الرؤية العلمية التنموية. ويضيف الوهّابي: النقد الذاتي يقصد به الرؤية الانطباعية، وليس بطبيعة الحال المقصود به النقد الأيديولوجي، إذن الرؤية الانطباعية هي النقد الذاتي، وهذا يشترك فيه كل متلقٍّ للنص الإبداعي، من سائق التاكسي وعامل النظافة إلى غير ذلك بحسب نوع المتلقي من جميع الطبقات، ولا يمكن أن نتجاهل انطباعات أي فرد، ولكن النقد الموضوعي أو العلمي يتجاوز الانطباعية من خلال مناهجه ورؤيته الواسعة لسياقات الإبداع والمادة الإبداعية المفردة، ولا شك أن الانطباعية هي مدخل للنقد العلمي، ولكن سيطرة الانطباع وجعله الرؤية النقدية السائدة يعد نكسة كبيرة على مسيرة الإبداع، ويؤثر فيه فلا يمكن للانطباع ملامسة الجودة والقيمة ومكامن الضعف، خذ مثلا رواية «بنات الرياض»؛ لا أظن أنها تصل فنّيًا لمرحلة متوسطة من مستوى رواية «فسوق» أو «عيون قذرة»؛ ولكنها اشتهرت أكثر بسبب النقد الانطباعي ومعايير أخرى نعرفها، ومن هنا يأتي الانطباع دافعًا لأعمال لا تستحق ويقصي بدوره أعمالا تسحق. نكوص مستحيل وترى الدكتورة عائشة الحكمي أستاذة النقد بجامعة تبوك أن الاتهام للنقد الأكاديمي بأنه بعيد عن مسايرة الإبداع يميل إلى الصحة وأن المبررات كثيرة، تشير إليها في قولها: إن بعض الباحثين أجبرهم التخصص على خوض النقد؛ لذلك نرى أبحاثهم في مجال النقد بمثابة «بيضة الديك»، خوض معركة واحدة فقط، وهذا يسري حتى على التخصصات الأخرى؛ إذ البعض يشتغل في النقد الأكاديمي بصورة خارجة عن ميوله واهتمامه، مبرر آخر هو انشغال الباحث بمتطلب الدرجة وليس رسالة موجهه للنقد بحد ذاته تسخّر كل طاقات الباحث للغوص في أعماق النصوص من أجل خدمتها وخدمة المتلقي، كل هم الباحث كيف يحوز البحث على رضا إدارة البحث العلمي والمناقشين، وإذا كان للترقية كذلك رسالة البحث واضحة الأهم أن يجد القبول عند المحكمين وبهذا تكون خدمة الإبداع في آخر قائمة الناقد الأكاديمي، الذي يمضي الجزء الأخير من حياته في عمله وأعبائه الأكاديمية إلا ما ندر. وتمضي عائشة في حديثها مضيفة: إن نقمة الأدباء على النقد الأكاديمي يرجع إلى كون الأدباء يأملون من الرؤية الأكاديمية احتواء ومسؤولية تجاه الإبداع بصورة كلية وحرص على متابعة نتاج كل أديب والإسهام في تقديمه إلى القارئ أيضًا بصورة مسؤولة دون الإيعاز من أحد، فإذا الناقد الأكاديمي يتخذ ذلك النتاج سبيلاً للحصول على درجة علمية ثم تركن بعض البحوث على أرفف مكتبات الجامعات ولا يعود في الأكثر إلى متابعة مسؤولياته تجاه الإبداع؛ لكن الناقد الأكاديمي أخذته مسؤولياته المهنية بعيدًا، فإذا هو يوميًّا يدفع الثمن غاليًا من عمره ووقته، وأول من وقع عليه الضرر هو النص الإبداعي إذا خسر كثيرًا متابعة النقد لمساره، ولم يظهر حضور النقد جليًّا متميزًا إلا مع بداية المرحلة الثالثة من تطور الأدب؛ أي بداية ثمانينيات القرن العشرين، حين بدأ النقد الأكاديمي وغيره يلتفت بقوة إلى الأعمال الإبداعية والعمل على نشرها في الصحف والمجلات بصورة مستمرة أوحت بحركة نقدية أكثر خصوبة وثراء، كما يقول الدكتور حسن الحازمي، من كل المراحل السابقة. أول تلك الكتب النقدية «فن القصة في الأدب السعودي الحديث»، وهو رسالة دكتوراه، تبعه أول كتاب نقدي في الرواية «فن الرواية في المملكة.. بين النشأة والتطور» للسيد محمّد ديب. ثم صدر كتاب الشنطي وغيره.