نفى القاص والشاعر محمد المنصور الشقحاء جنوحه للغضب تجاه أي رأي يكتب ضد توجهه، مبينًا أن غضبه يأتي عن إيراد معلومة خاطئة عنه تنطوي على نوايا كيدية، مستدلًا في ذلك بالإشارة إلى أن هناك طالبة نالت درجة الدكتوراة ثمنًا لإيراد رأي سيئ عن قصصه بناء على توجيه مشرفها، مبينًا أن نجاح الروائيين السعوديين عبده خال ورجاء عالم ويوسف المحيميد خارجيًا بنيلهم الجوائز جاء بسبب تقديمهم لنصوص متجاوزة ومثيرة استطاعت اختراق دوائر الاحتكار والتعصب الإقليمي والتنظير الأيدلوجي وفضح المزايدات الفكرية الزائفة، عاتبًا في الوقت نفسه على تكلس حركة النقد، وعدم مواكبتها للمنتج الإبداعي، رافضًا لفظ «الفضائحية» على الكتابات النسائية السعودية التي تخترق التابوهات، مستعيضًا عنها ب»الجرأة».. ممتدحًا تجربة الشاعر الراحل محمد الثبيتي، مؤكدًا أنه تجاوز بموهبته كل الرهانات وقدم نصًّا للاستشهاد.. طي هذا الحوار سيكتشف القارئ موقف الشقحاء من لائحة الأندية الأدبية، ومأخذه عليها، والسبب وراء ابتعاده عن الترشيح لمجلس أدبي الرياض، ورؤيته حول الصحف المناطقية، وموقفه من قصيدة النثر، وغير ذلك من المحاور الأخرى.. نص مواكب * حركة النص الإبداعي في كافة مجالات الأدب تمضي بوتيرة متسارعة ناسفة معها المسلمات والتصنيفات الكلاسيكية.. فهل استطاع النقد بإرثه القديم وتطوره الجديد أن يجاري هذا اللهاث؟ المشهد الأدبي ثري بكل جزئياته كإبداع قصة قصيرة، رواية، شعر، نصوص.. وفي نظري هذا الثراء ذاكرة حقيقية لمنجز إنساني عام يواكب المرحلة ويستجيب لمتطلبات العصر، وذلك بخطوات ثابتة وليس كما قلت بوتيرة متسارعة. والتصنيفات القديمة في نظري لم تكن مسلمات بقدر ما هي اجتهاد دارس ومتابع من أجل خلق الجديد المتماسك. والنقد الصحافي الذي هو استعراض وتسجيل موقف انطباعي واكب النص الجديد، حتى الدراسات العلمية تقاربت مع المنجز. لكن من تم تصنيفهم كنقاد جاء وفيًا للمذهب النقدي الذي يتبعه على حساب النص؛ وبالتالي المبدع لم يستفد. ولنا كمثال واضح تجربة الشاعر محمد الثبيتي الذي تجاوز بموهبته كل الرهانات، فقدم لنا نصًّا نستشهد به أننا تجاوزنا كل المراحل واحرقنا كمبدعين الموانع التي تم تأويلها لترشيد وتحجيم انطلاقتنا. نجاح في القاعات * البعض يرى أن الحركة النقدية تسبح في فضاء تنظيري بعيدًا عن النص وتداعياته.. فكيف تنظر إلى ذلك؟ فعلا الحركة النقدية من خلال بعض مقاربيها ممن هم على علاقة بالصحافة منتجهم تنظيري مرتبط بالمدرسة الغربية حيث درس البعض هذا، ومن هنا نجدهم فقط تشكل نجاحهم العملي من خلال قاعات المحاضرات كمعلمين أكثر من سمتهم النقدية. وبالتالي النص وتداعياته حياته قائمة اليوم على ناشر قادر على توصيله إلى المتلقي ومعه يكسب المبدع معنويًا قارئا يناقشه فيما كتب. مزايدات زائفة * بم تفسر ظهور الرواية السعودية ووقوفها الآن على قدم وساق في المشهد الثقافي العربي وحصول بعض كتابها على جوائز معتبرة كما هو الحال مع عبده خال ورجاء عالم؟ وأيضًا الروائي يوسف المحيميد كان له نصيب في الفوز مثل عبده خال ورجاء عالم، وكلهم قدم نصًّا مثيرًا للجدل ومتجاوزًا، وخلق حوله حوارًا استطاع اختراق دوائر الاحتكار والتعصب الإقليمي والتنظير الأيدلوجي وفضح المزايدات الفكرية الزائفة وأدعياء الشفافية والبحث عن نص متجاوز. البحث عن ميناء * الصراع حول القبول بقصيدة النثر ما زال محتدمًا برغم منجزها.. بعد كل هذا المشوار المليء بالشعراء والتجارب والمجموعات الشعرية ألم يأنِ لها أن ترسو على وعي خاص؟ قصيدة النثر حظها عاثر مع أن لها مبدعيها محمد الدميني حمد الفقيه وعبدالعزيز الشريف وقبلهم ناصر أبوحيمد وغيرهم؛ إنما انشغالنا بالهوامش في الساحة الأدبية أفرغ هذه التجربة من صياغتها. ولي في هذا المجال تجربة عبر ثلاثة دواوين شعرية صدر أولها عام 1976 بعنوان «معاناة» ضمن منشورات نادي الطائف الأدبي، وهي قد رست على الوعي الخاص بشهادة الدكتور مسعد العطوي الذي أشار لها في بعض دراساته النقدية، إنما حتى اليوم تبحث عن ميناء ترسو عليه لتتصل بالبر. مزاج عام * يركض جهدك الإبداعي في مضمار السرد.. ألم تراودك نفسك على كتابة الشعر.. وهل الكتابة لديك موقف أم بمزاج عام؟ في إجابتي السابقة بعض من إجابة على هذا السؤال، لي نصوص شعرية بين وقت وآخر عندما يتعاظم الهم. كنت أكتب من خلال موقف واليوم مع نضج التجربة وتغير الأطياف وانشغالنا بما حولنا على حساب الذات أصبحت الكتابة بمزاج عام، وإن اخترق الموقف في بعض الحالات مشروع الكتابة ففرض نفسه كموضوع. فقدان اليتيمة * ميزة العرب بالشعر رسّخت لزمن طويل بأنه «ديوانهم» استنادًا لإرث وقديم.. لكن الواقع يريد سحب هذه «الديوانية» لصالح الرواية في الزمن الحاضر.. هل ترى في ذلك خيانة لهذا التراث؟ مع أنني قاص واهتم بالسرد أردد «الشعر ديوان العرب»، وإن تراجعت القصيدة اليوم عن الزخم الإبداعي والخصوصية في الهم حتى لم تعد هناك اليتيمة التي يسعى لبنوتها الكثير. تفاوت رهيب * على أي وجه ترى إنتاج الأدباء والمثقفين السعوديين في مجال البحوث.. وأيهم الأبرز في هذا المضمار؟ هناك تفاوت رهيب من بحث لآخر، ومن دراسة إلى تحقيق مخطوطة، إلى اليوم عندما ندرس القصة القصيرة والرواية نعود لكتاب الدكتور منصور الحازمي «فن القصة في المملكة العربية السعودية»، كما نعود لكتاب «التيارات الأدبية» لعبدالله عبدالجبار، وعندما ندرس الشعر نعود لكتاب «الخطيئة والتكفير» الذي درس الشاعر حمزة شحاتة للدكتور عبدالله الغذامي، والأبرز بالطبع الدكتور منصور الحازمي، وكذلك عبدالله عبدالجبار، ومن لحق بكل أسف لا تجد رأيه النقدي الذي تستشهد به لبناء معمار دراسة جديدة. ابنة المدينة الشرعية *«الرواية عجينة تصلح لكل الفطائر».. هل تتفق مع هذه المقولة.. وهل ترى الكتابة عن الأشخاص نوعًا من التشوق للفطير بالذهب؟ لم أسمع هذه المقولة.. والرواية كنص إبداعي فن قائم له نموذجه الرائع في أركان الدنيا الأربعة لملامسته للهم وخلق أجواء القبول ثم التشكل من جديد، ومن هنا جاء قول البعض إن الرواية ابنه شرعية للمدينة. وإذا جاءت الكتابة عن الأشخاص يصنف اليوم تحت مسمى السيرة حتى وإن تم صياغتها من خلال راوي. ولم أفهم قولك (نوعًا من التشوق للفطير بالذهب)، إن كنت تقصد قيام أحدهم باستئجار كاتب بمقابل لصياغة سيرته وكتابتها وهذا مشروع فلدينا كاتب معروف ألّف ثلاثة كتب عن شخصيات اجتماعية لقاء أجر، كما إن لدينا شخصية اقتصادية استخدمت ناشر لإصدار كتاب عنها وعلينا قبول هذا. ضد التجنّي * يرى البعض أن علاقتك بالإعلام يشوبها الفتور في أحايين كثيرة.. فلم تصبّ جام غضبك على الذين يكتبون ضد توجهاتك؟ علاقتي بالصحافة جيدة، وكوني كاتب مستقل همه نشر رأيه أتواصل مع الصحيفة التي ترحب بما أكتب. وهذا لون تواصلي هنا وهناك، كما إن اطلاعي المركّز يدفعني إلى محاولة نشر تعليقي في الصحيفة التي استقيت المعلومة منها، وإن كانت انطلاقتي من جريدة المدينة ثم جريدة الجزيرة. ومن قال لك إني أصب جام غضبي على من يكتب ضد توجهي.. تأتي هذه الحالة عندما تكون المعلومة خطأ، وأخشى تداولها بما تحمله من كيدية، وفي مجال النقد أصمت، ومثال ذلك رسالة علمية عن القصة القصيرة لدرجة الدكتوراة بدلت الطالبة رؤيتها تنفيذًا لأمر مشرفها ونشرت رأيًا سيئًا في قصصي لصديق شعر بالغيرة من حديثها فأقنعها بموقفه لتحصل على الدرجة العلمية. الجميع أصدقاء وإخوة واختلاف الرأي احترمه والتجني أسكت عنه، والمعلومة الخطاء أناقشها هذا ما كرست قلمي له. قناديل مضيئة * برأيك هل خدمت الملاحق الثقافية الأدب والفكر والثقافة عمومًا؟ نعم خدمت الملاحق الثقافية وصفحات الأدب في الصحف اليومية والمجلات الأدب والفكر والثقافة بمفهومها العام. أنا نتاج ملحق المدينة الأدبي قبل أن أكون عضوا مؤسسا لنادي الطائف الأدبي وعضو بمجلس إدارته ومنتجه كأديب له مؤلفات ونشاط أدبي يركض في ساحة كل يوم تضاء قناديلها بمنجز جديد. قشور مقلدة * خارطة الأدب السعودي شهدت انفتاحًا مقدرًا كل ألوان الطيف الإبداعي.. فلما لم تصل بعد لعمق شبيه بالذي نراه مثلًا عند الأدب المغاربي واللبناني والمصري؟ من قال لك إننا نفقد العمق؛ نحن اليوم مصدر إلهام ومركز مهم أدبيًا وفكريًا، ومشكلتنا إعلام تقليدي يفضل السكون بينما هناك تفجير وصراع وتنافس معه نتوهم أن فيه عمقًا، بينما هي قشور مقلدة منتجًا وترجمة لصوت مرتفع من خارج المكان. مزيد من الركض * من أي الأبواب ولجت إلى عالم الإنترنت.. وبم خرجت؟ ولجت هذا العالم بالصدفة بعد خوف. ولا زلت أركض في ممراته بحثًا عن مخرج، إنما كلما أبصرت بصيص ضوء تمادت المسافة وتجدد نشاطي لمزيد من الركض. حاطب ليل * برغم ما تقول من إيجابيات لكن البعض يراه مسرحًا لعبث يسمى زورًا «إبداع»؟ مع إيجابيات الإنترنت إنما نحن من نخاف، منذ أول يوم تعاملت مع الإنترنت كتبت باسمي الحقيقي، وهذا في علم النفس دليل قوة وثبات في الشخصية، كما إني أبحث عن المعرفة، ومن كتب باسم مزيف فهو حاطب ليل وأمره لا يعنيني والنشر تحت أي تصنيف، كلنا نعرف درجات الجودة، الطيب يبقى والزبد يذهب. * هل ترى أن الفضاء الإلكتروني خدم المثقف وأعطاه هامشًا من الحرية حَرَمُتهُ منه المؤسسات المدنية؟ أولا المؤسسات المدنية لم تحرم المثقف الحقيقي من إعلان رأيه والتحفظ يأتي من النظام أي توجه كل مؤسسة. والفضاء الإلكتروني خدم الجميع ولبى الرغبات الخاصة على حساب العام وهنا مكمن القلق. جرأة وليست فضائح * المرأة السعودية حديثة عهد بالكتابة.. ورغم ذلك سعت بعض منهن إلى الكتابة الفضائحية.. هل هذا النوع من الكتابة انفجار في وجه تاريخ من الكبت لديهن؟ المرأة السعودية منذ نصف قرن وهي شريك أساسي في المعرفة والمثقفة، وهنا أقصد الأديبة والكاتبة، البعض منهن وجدن في الكتابة الجريئة وليس الفضائحية وسيلة للبوح عن هم تقمصهن لتأكيد هذه الشراكة الموجودة والقائمة منذ خلق الله آدم وحواء حتى يكون عمار الأرض لتجاوز تقاليد اجتماعية لم تستبن فيها الحقوق التي تأتي قبل الواجبات، ونسبة هذه الطروحات من خلال المنظور العام متدنية حتى في الدول الأخرى الثرية معرفة وعلم واحترام للحقوق لوجود تنظيم يتطور وفق المستجدات لا يتجاوز الواجبات والتشريعات القانونية. لائحة جيدة * من أي منظور تقرأ لائحة الأندية الأدبية الجديدة.. ولم تكن ضمن الجمعية العمومية لأدبي الطائف.. هل ثمة أيادٍ خفية وراء ذلك؟ لائحة الأندية الأدبية الجديدة جمعت المتفرق، فقد كان للأندية الأدبية عند التأسيس نظام الأندية الأدبية، ثم ألحق بهذا النظام تعليمات الضوابط المالية وتعاميم ترشد الأنشطة وتشكيل اللجان مع صياغة قانونية لتوحيد العمل ماليًا وإداريًا مع التأكيد على الهدف من تأسيسها، وهي جيدة مع بعض التحفظ على مواد تسمح للوزارة بالتدخل عند الحاجة، وفي الإمكان الآن وبعد اكتمال نصاب الانتخابات إعادة النظر فيها بما يمنح الأعضاء ومجلس الإدارة من القيام بواجباتهم التي تحقق الهدف. وعدم مشاركتي ضمن الجمعية العمومية لأدبي الطائف جاء بسبب إقامتي في الرياض، وأنا اليوم عضو عامل في النادي الأدبي بالرياض، وشاركت في جلسة انتخاب مجلس إدارة النادي، ولم أتقدم للترشيح لعضوية المجلس لقناعة خاصة بأن تجربتي في الطائف كانت فريدة ومتميزة. صحف مناطقية للمتابعة * أين تقف من ظهور صحف إلكترونية مناطقية ومدى دعمها للأدب والثقافة؟ هذه الصحف جيدة بعمومها إذ تتابع الايجابيات والسلبيات وتطرح المطالب التي غفلت عنها الأجهزة الحكومية ودعمها يأتي من خلال وعي القائمين عليها بأدباء المنطقة الناطقة بصوتها، وفي نظري أن هذا من واجباتها؛ خاصة أن هناك مناطق لا يوجد بها صحف ورقية محلية أو مجلات لعوامل اقتصادية أهمها الطباعة والتوزيع. قاعدة بيانات مفقودة * كيف تنظر إلى تكرار أسماء بعينها في الأمسيات والملتقيات الأدبية والمهرجانات وغيرها؟ تكرر الأسماء دليل عجز وفقد للقاعدة البيانية للأسماء الأدبية والعلمية وكافة التخصصات المعرفية، وأيضًا هناك من يعتذر لمشاغله الخاصة إنما هذا بشكل عام حالة يجب دراستها وتجاوزها. * هل استغل القاص الشقحاء الإعلام لفرض اسمه في خارطة الأدب؟ نعم من خلال تبني وسائل الإعلام لكتاباتي وتسليط الضوء عليها، والمستفيد هنا أنا بكل ما تحمل من الذاتية. رابطة مطلوبة * ألم يحن الأوان لتكوين رابطة أدباء المملكة؟ سعيت مع مجموعة من الأدباء والكتاب لتأسيس جمعية الأدباء والكُتّاب، ولم ترد وزارة الثقافة والإعلام على طلبنا هذا أولًا ولما عرفت أن وزارة الشؤون الاجتماعية هي المسؤولة عن جمعيات النفع العام (جمعيات المجتمع المدني) فشلت في إقناع من شاركني في الطلب بأن هناك آلية يجب اتباعها للفوز بتحقيق تأسيس جمعية الأدباء والكُتّاب، وتطرق حضور ملتقى المثقفين الأول إلى هذه الرغبة فكان من توصياته المسارعة في الموافقة على تأسيس الجمعية. وقد ناقش مجلس الشورى هذا المطلب وأصدر نظام رابطة الأدباء والكُتّاب السعوديين وإلى اليوم أنا والأدباء والكُتّاب ننتظر إقراره لقيام هذه الجمعية على مستوى المملكة العربية السعودية. وزرع تصريح لأحد أعضاء مجلس الشورى وهو أديب وكاتب منذ أشهر أن وزارة الثقافة والإعلام منحت مجموعة من الأدباء والكُتّاب تصريحا تأسيس الجمعية إنما هذا حتى الآن لم يتحقق منه. نحن بحاجة إلى جمعية للأدباء والكُتّاب كما القائم في دول الخليج العربية ليكون لنا صوت في الاتحاد العام للكُتّاب العرب، وهذه الجمعية إضافة للدور الريادي للأندية الأدبية القائمة اليوم؛ لأن النادي الأدبي مع عموميته خاص بأبناء المدينة القائم بها ويفترض أن يوسع نشاطه داخل المنطقة المحيطة بالمدينة وهذا نجده واضحًا في اللائحة لائحة الأندية الأدبية.