حين وقفت أتأمل سيرة الإعلامية ميسون عبدالرحمن أبوبكر لم أكد أقف على توصيف محدد، فحياتها ركض بين الإعلام والكتابة الإبداعية شعرًا وقصة ورواية، ففي مجال الإعلام قدمت جهدها معدة ومقدمة برامج في التلفزيون السعودي، لتتبوأ أخيرًا منصب مستشارة برامج في القناة الثقافية، فضلاً عن كونها مستشارة أيضًا لإحدى القنوات الأوروبية، تتحلى بعضوية هيئة الصحافيين السعوديين، كما أنها عضوة بالجمعية العربية السعودية للترجمة، وفي المجال الأكاديمي حصلت على بكالوريس أدب عربي جامعة بيروت العربية، وتعد رسالة الماجستير في الأدب السعودي متخذة من عبدالله الجفري، وعبدالعزيز التويجري حقلاً لدراستها، شغلت العديد من المناصب. أما في المجال الإبداعي فكان مبتداها مع الشعر مقدمة أربعة دواوين «آفاق شعري» عام 1989، و»أجراس الصمت» عام 2000، و»قل للغياب أنا هنا» في العام 2007، وأخيرًا «نوارس بلون البحر» عام 2010م، أما في مجال القصة القصيرة فقدمت «بشائر الخريف»، كما أنجزت روايتها «المدن نساء» التي آثرت عدم نشرها في زمن «العصف الروائي» - حسب توصيفها - كي لا تكون من باب إثارة الجدل.. وغير ذلك من مشاركات عديدة تكللت بحصولها على عدد من الجوائز من بينها جائزة هيئة الصحافيين السعوديين للتميز الصحفي 2010، وتكريمها كأبرز إعلامية عربية مع خديجة بن قنة وسوسن الأبطح في الديوان الوطني الجزائري 2009، وحصولها على جائزة من وزارة الثقافة الفلسطينية عام 2009م.. في هذا الحوار نمر على كل هذه المحطات على منصة الأسئلة.. * تمضين بين أصل فلسطيني ومولد في الكويت وجنسية أردنية وإقامة بالسعودية.. فأي أثر لهذا المزيج في حياتك؟ إن رجعنا للأصول فهي شمّرية؛ لأن عائلة أبو بكر والبطاينة فخد من فخود شمر حسب ما وثقه المؤرخون، فقد نزح عبر التاريخ من نجد نظرًا لصعوبة الحياة فيها عدد لا بأس به للزبير ولبلاد الشام، وأنا إذ أفتخر أنني أحمل ملامح كل تلك المدن التي مررت بها، وأنتسب لها وقد تشكلت مزيجًا متنوعًا من ثقافة كل منها، وفي مملكتنا الغالية لي خيمة أعمدتها الحب وسقفها سماء أفتح إليها نوافذ القلب وأشرع في رحلة الحياة لأكون تلك المرأة التي قلبها ورق أبيض أسطر عليه بوحي وأزرع نبضي ليموج حرفي كالبحر الذي أعشق.. أنا ميسون ابنة الصحراء التي تخفق الريح في خيمتها وتطرب لخطاها وتستدل بنارها وتأنس بنجومها، وتارة أخرى أنا صديقة البحر الذي أتخيله على مشارف القلب وأحملني إليه كلما اشتهيت صحبته وكلما ضاقت بي المدن فأتخيل حدودها البحر وإليه أشرع الرحلة. قراءة في مرآة الآخرين * أربع دواوين وثقت لتجربتك الشعرية.. فماذ عن آخر الدواوين «نوارس بلون البحر»؟ لست أنا التي تحكم على ما تكتب، لكن يمكنك قراءة ما كتب من نقد عنها عبر عالمنا العربي، وقد كان آخره كتاب الأستاذ عبدالله السمطي الذي فاجأني به مؤخرًا بعنوان «حلم الكلمات»، وهو محاولات في التأويل الجمالي، غير قراءات نقدية نشرت في الصحف العربية والسعودية منها لجحا الحاج. ضد التمييز * تمسكك بقصيدة النثر يجعلك دائمًا في محور الدفاع وخير دليل إصرارك على قراءة شعرك على منبر الرجال.. ما سبب هذا التحدّي هل هو حب الظهور أم التسلق على أكتاف الحرية المبعثرة؟ قصيدة النثر تشكل ربع ما أكتبه من قصائد تتنوع بين التفعيلة والقصيدة العمودية، ولست أتمسك بشكل واحد إنما القصيدة تأتي كما تفرض اللحظة نفسها. وأوافقك أنني قرأت الشعر على المنبر في النادي الأدبي على مرأى من الجميع لأنه ليس هناك ما يسمى منبر الرجال وآخر للنساء، ولم أكن لأصر أو أثير جدلاً وجدالاً إنما كان من المتاح وفعلت فلطالما كانت عكاظ سوقًا للشعر ولم تكن تميز بين جنس وآخر لأن الفصل في النهاية للقصيدة وجودتها، ويعرف عني أنني دائمًا أتخطى الإثارة والجدل والاستعراض ومبدأ خالف تعرف، لأن ما يهمني الرقي بما أؤمن به وجاهدت لأجله. أنا حاضرة على خارطة الثقافة في العالم فلماذا أتمسك بالقشور وأتسلق على جدران واهية لأظهر؟! واستغرب وصفك «حرية مبعثرة». هبة وبوح * تجربتك الإبداعية تعدت الشعر إلى القصة وأخيرًا الرواية.. هل الكتابة لديك موقف أم مزاج عام؟ الكتابة حياة وحضور وروح أحلق معها، وجسد أحيا في شرايينه، الكتابة هبة وبوح وأسطورتي.. كانت أول ولادة لأول قصيدة قبل خمسة وعشرين عامًا، وتتابعت الكتابة ما بين إطار شعري وقصصي لتتعملق مساحة البوح إلى رواية تستوعب أكثر مما تستوعبه قصيدة تتأطر في قافية وموسيقى، أو قصة قصيرة في كلمات محدودة. المزاج يدخل في الكتابة والأديب هو في مهب أحاسيسه ومشاعره وما يمكن أن يراه ويمر به. تغير ملحوظ * على أي الصور ترين الملاحق الثقافية في الصحافة؟ في الآونة الأخيرة هناك تغير ملحوظ واهتمام أكبر، فهناك وعي لدى المشرفين على هذه الملاحق بأن الثقافة في المملكة موازية للشؤون الأخرى، وهناك دعم من أصحاب القرار لها وهناك حركة لا تهدأ في كافة المجالات والاتجاهات الأدبية والثقافية والفنية لذلك هناك متابعة وهناك محرر مختص اليوم وهناك صفحات تفرد لها ومثقفين تزخر بهم هذه الملاحق والمؤمل دعم من يعمل بهذا القطاع أكثر حيث إن الكثيرين يشتكون قلة مكافآتهم. مشاركات قليلة * بم خرجتِ من تجربتكِ في التعامل مع الإنترنت إبداعيًا؟ أستخدمه قليلا جدًا لأشرك البعض برحلتي مع المدن والثقافة لأنقل ما أراه لمن يهتم بمشواري الثقافي، أتشارك مع الآخرين اجتماعيًا بمساحة قليلة جدًا وأعتذر، وإنني لا أريد أن أقاطع التقنية أو أتخلف عنها رغم الذي يؤسفني مما يدور من جدل وإشاعات في بعض وسائلها فهي فضاء ولنا أن نحلق فيها أو نتوه أو نسقط. لكل زمان صرعة * برغم قرب عهد المرأة السعودية بالكتابة إلا أن بعضًا منهن يتجهن إلى الكتابة الفضائحية.. أيعد هذا نوعًا من الانفجار في وجه تاريخ من الكبت لديهن؟ لن أنظر أو أقول إلا أن لدينا عدد من المميزات في المشهد النسائي، وإن كانت بعضهن اتجهن للكتابة بالطريقة التي ذكرتها؛ فهذا لا يعني سطحية الأخريات، ولكل زمان صرعة إن صح تعبيري. حضور دائم * اختيارك مستشارة برامج في القناة الثقافية 2010 جدد سؤال البعض: أين ميسون؟ لم يأتِ هذا الاختيار إلا لتجربة ونجاح صقلته السنوات، والحضور محليًا وعربيًا والعمل في الحقل الثقافي الذي شهد فتورًا لفترة ما، كما إني مستشارة أيضًا في إحدى القنوات الأوروبية، وهذا من فضل ربي، وحكمة اتبعتها وقالها لي وأنا في السابعة من العمر حين التقيته وزير التربية والتعليم الكويتي آنذاك معالي جاسم المرزوق «من جد وجد ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل»، وأود أن أجيب عليك أن ميسون حاضرة دائمًا في المشهد الثقافي.. والإعلام الثقافي بالذات، ولا أتذكر انه يشغلني شاغل عن عملي الإعلامي ومشاريعي الثقافية التي يدعمها حضوري الأدبي. * برأيك هل ثمة أيادٍ خفية تريد تغييب الصوت النسائي الفاعل؟ لا جواب لدي! فالساحة زاخرة بالمبدعات وبصماتهن ومشاركاتهن محليًا وعالميا فكيف نلقي التهم بلا أساس!! * ما طبيعة الخلاف بينك وبين الشاعرة والمذيعة حليمة مظفر ؟ لا جواب لدي. * تكرار أسماء بعينها في الأمسيات والملتقيات الأدبية والمهرجانات وغيرها.. كيف تنظرين إليه؟ هناك أسماء تتكرر نعم، وهناك جهد واجتهاد أيضًا، وعلى المبدع أن يكون حاضرًا. هروب من قبضة العمل * هل استغلت ميسون أبوبكر الإعلام لفرض اسمها وقصائدها في خارطة الأدب النسوي؟ أنا شاعرة قبل أن أكون إعلامية، وأرفض مصطلح الأدب النسوي، وللعلم فقط فقد تأخر إنتاجي الأدبي كثيرًا بسبب انشغالي كثيرًا بالإعلام مهنة المتاعب، وفي لحظات كثيرة كنت أعتذر لنفسي وأعدها بالتفرغ وبين الوقت والآخر كنت أفي بوعدي فأصدر ديوانًا شاردًا من زحمة الحياة أو ألبي أمسية في زمن هارب من قبضة العمل. *اخترت لروايتك عنوان «المدن نساء».. ألم تخشين أن يثير جدلاً.. ولمَ لمْ تأخذ هذه الرواية حقها من التناول والنقد؟ سترى كيف تشبه النساء المدن، وكيف تتشكل المدن التي زرتها لتصبح من نسيج ذاكرة مشتهاة، المدن تاريخ، والمدن التاريخية تستهويني رفقتها، يستهويني ماضيها حين يعبق كالورد حين تعبر أروقة الحاضر فيحضر ساكنوها وتورق حكاياتها وتستيقظ أنفاسها.. نعم يمكن أن يثير العنوان جدلاً، ويمكن أن يكون مشوقًا، وممكن أن يثير الكثير من التساؤلات أبرزها: كيف للمدن أن تكون نساء؟ وما وجه الشبه بينهما؟! وسيندهش القارئ للرواية أنه في كل مدينة من المدن التي أشرت إليها سيلوح له وجه امرأة قد أجهر باسمها وفي أحايين أترك لمخيّلة القارئ أن ترسمها وتستدل عليها.. أما لم لم تأخذ الرواية حقها من التأويل فذلك لأني لم أنشرها بعد، حيث أني نأيت بنشرها في زمن العصف الروائي كي لا تكون من باب إثارة الجدل. وسأكون إحدى نساء الرواية التي لن أشير لك إليها!