«إنه أمر يحدث فقط في منطقة الشرق الأوسط»، يقول مشعل الفهد وهو يشير إلى رجال ونساء تحلقوا حول كاشير إحدى الصيدليات. وهو يضرب كفا بأخرى يقول الفهد، وهو فني صيدلة متخصص، إنه بات يشعر أن تناول وصرف الأدوية دون استشارة طبية، أصبح ثقافة عامة في المجتمع السعودي، تدعمها -بحسب رأيه- الكلفة الباهظة التي تتطلبها زيارة الطبيب. وبالطبع عدم وجود ضوابط تمنع الصيادلة من صرف الأدوية وتقمص دور الأطباء. وفي السعودية التي تنتشر فيها 5244 صيدلية يعمل بها أكثر من 12 ألف صيدلي معظمهم وافدون (وفقا لآخر الإحصاءات)، يشكل صرف الأدوية بلا وصفة طبية ظاهرة تستحق الوقوف. «إنها ظاهرة خطيرة تهدد الحياة ما لم يتم الإسراع في الحد منها»، يقول الفهد، الذي يعتبر أنه حتى المسكنات العادية يمكن أن تؤدي إلى مخاطر ومضاعفات عكسية: «لماذا تعتقد أن القرحة في المعدة والتهاب الكبد من أكثر العوارض المرضية انتشارا؟. السبب هو الاستعمال المفرط والعشوائي ودون استشارة ما يؤدي إلى حدوث مقاومة في الجسم لتأثير الدواء، فيضطر المريض إلى زيادة الجرعة وبالتالي زيادة المضاعفات». ولا يبدو الصيدلي الفهد مبالغا، فقد أثبتت دراسات طبية أمريكية أن صرف الأدوية بلا وصفات طبية والتضاد والتكرار في تناولها قد يقود إلى حالات هبوط في ضغط الدم. ووفق لدراسة أمريكية أخيرة، فإن الأخطاء في صرف الدواء قتلت 7400 شخص خلال عام واحد فقط. ضحايا محتملون بالنسبة إلى السعوديين، يستخدم 75% أدوية بلا وصفة طبية، بحسب آمنة عبدالعلي العاملة في قسم الصيدلة بمستشفى رأس تنورة، التي تعزو ارتفاع هذه النسبة إلى نقص الوعي وعدم إدراك الآثار الوخيمة لهذا السلوك. وتقول العلي إن هذه النسبة تختلف بحسب الشرائح المجتمعية والفئات العمرية: «تشكل نسبة تناولها بين فئة متوسطي الأعمار60% أما كبار السن فيشكلون النسبة الباقية». العلي تلفت إلى أمر آخر يفاقم من حجم المشكلة، إذ يشعر بعض المرضى بتحسن نفسي من العلاج: «لكنه لا يتحسن علاجياً. ومع ذلك يستمر في مواصلة تناول الدواء. كما أن بعض الأدوية التي يتعاطاها المريض، يمكن أن تزيد أو تنخفض فاعليته. لذا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الحالة العامة للمريض والتأكد من عدم إصابته بأمراض أخرى، فقد يؤدي استخدام دواء معين إلى تفاعل الأدوية مع بعضها، وتحميل الجسم جرعات زائدة». لكن، ما الذي يدفع بهذه النسبة المرتفعة إلى تلقي العلاج من الصيدليات دون المرور بطبيب موثوق؟ رائد الودعاني، وهو أحد من سبق لهم ذلك، يعزو هذا العزوف إلى القلق أو الخوف، على حد وصفه، من الكشف لدى الطبيب: «بعضهم لا يفضل ذلك. وآخرون يتحرجون من الأمر. غير أن الأغلب لا يجدون الوقت الكافي. دع عنك التكاليف المادية المبالغ فيها التي يتكبدها المريض فيما لو راجع عيادة خاصة. الصيدلية هي الطريق المختصر المفيد». وإذا كان المريض ملاماً في هذه الحالة، فإن الصيدلي الذي يفترض به الالتزام بضوابط صرف الأدوية، يتحمل شق اللوم الأكبر. إذ ترى الدكتورة ناهد الزهير المدير العام لمركز معارف الصحة للاستشارات الصحية والتدريب والبحوث أنه بات من المتعارف عليه أن يتمكن المستهلك من الحصول على أي دواء باستثناء الأدوية ذات التأثير المخدر التي لا تصرف إلا بالوصفة الطبية المعتمدة: «إنه أمر يعكس لك حالة اللا وعي والمسؤولية. لم يعد الصيادلة يتحرجون من صرف الأدوية بما فيها المضادات الحيوية والأدوية النفسية والمضادة للهستامين والكورتيزون وغيرها دون وصفات طبية معتمدة. وهذا ما جرت عليه العادة للأسف الشديد». الأسف لا يكفي «ورغم أنه يحق للصيدلي أن يقوم بصرف الأدوية التي تنتمي لمجموعة الأدوية اللاوصفية على مسؤوليته بعد أن يستمع للمريض بكل عناية حتى يمكنه أن يلم بما يعانيه من أعراض مرضية»، وفقا لسامي السليمان مدير العلاقات العامة والإعلام بمديرية الشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية، «إلا أنه ثمة أدوية يعتبر النظام صرفها بلا وصفة من طبيب معتمد ومتخصص جريمة موجبة للمسؤولية والعقاب». ووفقا لمفلح الأشجعي، الباحث في الشؤون القانونية، تعتبر سلامة الروح والجسد مصالح يحميها الشرع والقانون، ويعد أي تعد عليها ينتج عنه ضرر جريمة إيذاء يعاقب عليها: «بعض الأدوية يمنع صرفها إلا بعد معرفة السجل المرضي للمريض، للتأكد من مناسبتها لحالته، والتأكد أيضا من عدم وجود تعارض دوائي بين الدواء المصروف بلا وصفة مع دواء ربما يتعاطاه المريض بوصفة طبية، (باستثناء الأدوية اللاوصفية المتعارف عليها مثل البنادول وبعض الفيتامينات والكريمات) تجنبا لحدوث أية مضاعفات تهدد صحة المريض». يضيف: «من شروط الضرر المقررة شرعا أن يكون وقع نتيجة عدم الوفاء بالالتزام، وصرف الدواء بلا وصفة من الصيدلي عدم وفاء بالتزام مهني، وهذا ما يعرف بالخطأ الفني الذي يعني انحراف أو عدم تقيد الصيدلي بالقواعد التي تحكم مهنته، ومنها صرف الدواء بلا وصفة، ومثل هذه الأخطاء تقود الصيدلي إلى خطأ في التشخيص ينتج عنه خطأ في وصف العلاج». ويعتبر الأشجعي أن المسؤولية القانونية الموجبة للتعويض تأتي من إخلال الشخص بواجب يفترض بت تنفيذه: «هذه الأركان سواء كانت منفردة أم مجتمعة تعطي المريض حق ملاحقة الصيدلي قانونيا، والمطالبة بالتعويض المادي والمعنوي والأدبي عن أية أضرار جسدية مميتة أو غير مميتة، قد تكون لحقت به لقاء إخلال الصيدلي بالتزاماته، على اعتبار أن هدف كل معالج طبي هو رد الصحة المفقودة، والمحافظة على الموجودة وأن لا يعمل على إزالة العلة فقط، بل عليه أن يأمن حدوث أصعب منها، وكل ذلك قد يأتي من صرف دواء بلا وصفة». أما عن الإجراءات فيرى أن المساءلة التأديبية: «قد تصل إلى تغريمه أو شطبه من سجل المهنة»، فيما يلحقه قانونيا: «تعويض المريض وفقاً لما تراه اللجنة الطبية الشرعية التي تدرس حالة المريض من كافة جوانبها، ويكون التعويض حسب الضرر الملحق سواء كانت وفاة، أو عاهة مستديمة، أو إعاقة أو شللا». لكن ماذا لو أنكر الصيدلي؟. يجيب الأشجعي: «هناك حينئذ عدة إجراءات مثل إجراء التشريح الطبي لبحث أسباب الوفاة وخضوع الصيدلاني للقواعد العامة مثل وجود الشهود والفواتير والدلائل والقرائن، وبالتالي فإنه لا يمكن للصيدلي إنكار صرف الدواء في هذه الحالة».