رغم قلة الشاعرات الليبيات إلا أن صوت الشاعرة عائشة إدريس المغربي يبدو متميزًا وقوي الحضور في المشهد، جامعة إلى الشعر محبتها للقصة وإبداعها في هذا المجال أيضًا.. تختار كلماتها بعناية فائقة، مقدمًا نصوصًا غنية بالجمال والحس الإبداعي، تعينها دراستها الأكاديمية فقد حصلت على درجة الماجستير في فلسفة الجمال.. وقدمت للساحة الشعرية جملة من مؤلفاتها الإبداعية، ومن بينها دواوينها «الأشياء الطيبة» الصادر عام 1986، و«البوح بسر أنثاي» في عام 1996 ثم «أميرة الورق» عام 1999 و«صمت البنفسج» عام 2006، و«خربشات على هامش الكتاب» الصادر حديثًا، كما أصدرت مجموعة قصصية بعنوان «أوهام الغبار» ومسرحية «بائعة الزهور».. برز صوت عائشة بوضوح أكثر مؤخرًا إثر مشاركتها في مهرجان الشعر العربي الحديث بتوزر التونسية، حيث قدمت قصيدة بعنوان «ليبية الهوى» أمام عدد كبير من عشاق الشعر، والشعراء المشاركين في أكبر تظاهرة شعرية بتونس.. وهناك خصت «الأربعاء» بحديث عن تجربتها الشعرية.. مستهلة بحديث عن سر توجهها للشعر وعلاقته بدراسة وتدريس فلسفة الجمال قائلة: الحق أن تخصصي في الفلسفة جاء لاحقًا، فاهتمامي بالشعر كان قبل تخصصي، وأقول دون مبالغة أنا ولدت وأنا شاعرة بمعنى أنني لا أفصل الحالة الشعرية، ليست مسألة كتابة نص وإنما هي وجود توافق حياة؛ فبالتالي أشعر أنني شاعرة في كل تفاصيل حياتي، ومن ثم واصلت دراستي وتخصصت في فلسفة الجمال، وتخصصي الأكاديمي في الواقع هو رافد لتجربتي الشعرية، وبالتالي اهتماماتي الأكاديمية تخدم تجربتي الشعرية وليس العكس.. بين «الأشياء الطيبة» و«معابر الريح» ومن بين مجموعاتها الشعرية كافة التي أصدرتها ترى عائشة أن ديوانها «الأشياء الطيبة» الأقرب إلى نفسها، معللة هذا الانحياز له بقولها: هو ديواني الأول وهي تجربة لا أستطيع إعادة كتابتها ولا الاقتراب منها لأنها هي طفولة صافية ومطلقة.. ماضية إلى القول: إن أقرب الدواوين إليَّ هو الديوان القادم «معابر الريح» الذي سيصدر قريبًا، وطبعًا تأخرت عملية الإصدار بسبب الأحداث في ليبيا، فهذا الديوان هو الأقرب إلىَّ، لأن تجربتي الشعرية تبلورت وكدت أقترب من الوجه الذي أسعى أن أكونه. كبت الطاغية وحول التجارب الشعرية الليبية وعدم وصولها إلى القارئ العربي وبخاصة ما تكتبه المرأة ترجع عائشة ذلك لجملة أسباب ضمنتها في سياق قولها: إذا رجعنا إلى سياسة الحكومة الليبية السابقة (عهد القذافي) هو في الواقع لا يريد أي وجه ليبي في أي مجال من المجالات الإبداعية سواء في الثقافة، في الإعلام، في الطب، حتى الرياضي، هو لا يريد خروج أي اسم من الأسماء الليبية هذا على صعيد الواقع الموجود في ليبيا إلا تلك الأسماء التي تمجد السلطة والكتاب الأخضر والقذافي وسلطته الطاغية، إذن هذا أحد الأسباب، السبب الثاني أنه كان هناك نوع من الوصاية الثقافية، فنحن إمكانياتنا لا تسمح لنا بالنشر على نفقتنا الخاصة، وليس هناك برنامج إعلامي أو خاص، فكله يتبع الدولة؛ وبالتالي حتى تصدر عددًا من الكتب فهي تنام في المخازن، الناحية الأخرى نجد أن المغرب العربي عامة لا يملك القدرة على الانتشار الإعلامي مثل ما هو في الشرق، هناك لديهم القدرة على الانتشار فلاحظ مثلا المراكز الإعلامية لنشر الثقافة في الخليج والقاهرة وبيروت، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد ثقافة عميقة وجادة وأسماء مهمة في الثقافة العربية بالمغرب العربي والأكيد بعد الثورات الحاصلة أكيد ستتغير المعادلة وسيصبح صوتنا مسموعًا، ونصنا متواجد في جل وطننا العربي. أصوات حرة وتمضي عائشة مضيفة: صحيح هناك العديد من الأصوات الليبية التي وجدت الأدوات الإعلامية المهمة التي ساعدت في انتشارها بل كانت أيضًا مدعومة من السلطة، وهذا يشكل علامة استفهام على ظهورهم وليس كل الأسماء بالتأكيد.. صراحة لا وجود للأسماء نقية وصادقة فكثير من الأصوات مازلت تطبل لبقايا نظام القذافي، الأصوات الحرة رفضت التطبيل وطبعًا عذبت وأدخلت السجون منذ سنة 1979، حيث تم وضع مجموعة كبيرة جدًّا من الأقلام الليبية المتميزة في السجون، شعراء، كُتّاب، قصاصين ومن ضمنهم زوجي فتحي نصيب، خرجوا بعد عشر سنوات، وقد كانوا من المحكومين مؤبد، هذه الأقلام كانت تحاول العودة للعمل الإبداعي لكن نصوصهم كانت تخضع للمراقبة وتخضع للقمع وللمصادرة، وحتى الكتب القادمة من خارج ليبيا كانت تخضع لنفس المصير، فلم يكن هناك مجال لأي حرية للحديث أو الكلام أو سماع صوتهم، ربما ساهم الإنترنت في خروج أصوات تنادي للحرية، أو أصوات خرجت من ليبيا وهاجرت من أجل أن تقول كلمة حق.. نعم هناك الكثير من خيّر الصمت وغادر ليبيا، وليس له عذر في صمته عما يحدث في ليبيا، كان عليه أن يتكلم وإذا تكلم اليوم فصوته متأخرًا جدًّا، أما في الداخل فلهم العذر من لم يشترك في جوقة التمجيد للقذاقي فهو وإن صمت فهو معذور هناك الكثير من القمع طال الكُتّاب والمثقفين، الكُتّاب كانوا أكثر الناس معاناة وأكثرهم فقرًا، فصاروا يلهثون من أجل لقمة العيش ومع هذا كان لهم شرف أنهم لم يلوثوا أيديهم بأن يكونوا في صف القذافي. خلع عباءة الخوف وتظهر الشاعرة عائشة تفاؤلها بمستقبل المشهد الثقافي في ليبيا بعد نهاية عهد القذافي بقولها: أنا متفائلة جدًّا، فهذه البلاد التي خلعت عباءة الخوف وقادت التغيير، أقول إن صوت المثقفين والكُتّاب الليبيين لم يكن سباقا في الثورة لكنه لاحقًا على الثورة بعد أن عشنا سابقًا في صمت وانكسار وعجز لعدم قدرتنا على التغيير رغم محاولتنا الكتابة وإسماع صوتنا، ولكن كان صوت الشباب أقوى منا، وهذا يجعلني أكثر تفاؤلًا بمستقبل زاهي مع شبابها. بحث عن الذات وتؤكد عائشة حاجة الشاعر إلى قضية لقول ما يريد، قائلة: في تفاصيلها اليومية، من قهوة الصباح إلى قضايا الثورة الكبرى.. حينما يكون الشاعر على علاقة وثيقة بالحياة وبتفاصيلها فإنه يخلق قضيته الخاصة، لأنني لا أستطيع التعامل مع العالم من خارجه وبشكل موضوعي، في الكتابة أرى بأن العالم يجب أن يدخلني ثم يخرج من خلالي حتى أكون صادقة في تعاملي مع الشعر، مثلًا أنا لا أستطيع الكتابة عن الثورة وعمقها إلا بعد مرور بعض الوقت حتى نرى المشهد بوضوح أكثر وبعقلانية أكثر وبجمالية أكثر، يعني دون حماس الآني والتعبير الانفعالي المفاجئ، وبعيدًا عن الثورة أنا أكتب كي أكتشف الجمال في كون يعمه القبح، وأرسم بالكلمات كالأطفال زهور المحبة والفرح، مازلت أبحث عني كي أعرفني لحظة الوصول إلى إجابة كاملة تعني لحظة النهاية، لذا أنا اكتشف عائشة في كل لحظة كتابة. تواصل جيّد وتختم عائشة حديثها ببيان وجه العلاقة بينها بوصفها مثقفة ليبية والكُتاب السعوديين قائلة: علاقتنا بالكتاب السعوديين في تواصل جيد، فالتواصل الآن كما تعلم أصبح عن طريق الإنترنت الذي فعّل تواصلنا أكثر من السابق وساعد على كسر جمود حدة التواصل، ونحن الليبيين في تواصل مع كل أشقائنا في كل الخليج وباقي الأقطار العربية، وسيكون أكثر من ذلك بعد تحرر المشهد الثقافي الليبي اليوم، وسنكون موجودين في جل التظاهرات الثقافية العربية القادمة بإذن الله.
قصيدتان (1) ليبية الهوى صفقوا لأغنيتي عاليًا لن تبكي طرابلس موتها لن لن تترمل ولن تكون مغلوبة على أمرها لن تحزن فالموت لم يعد قتلًا بالرصاص أو شنقًا أو طعنًا بأي لون للموت وجوه كحقل الزفاف وهذه البلاد التي تشبه الشتاء حافيًا بلا مطر ولا ثوب ولا قلب يعضه الحزن ولا وشم يميزها عن الغريبات (2) جسد القصيدة القصيدة ضيقة ولا تتسع لنا سرقوا دفاتري قلمي ونثروا علاماتهم فيما تبقى من بياض السطور ومساحة القصيدة ولم يبقوا حتى هامشي الصغير سرقوا الليل الذي يمنحني الحلم والوهم والنجوم التي تهدهد غفوتي في المساء السحابات الحبلى بالمطر الريح التي تعزف مجيئنا العصافير وأغاني الصغار جدائل الشمس ألوان أمي عطرها وحبات عقدها التي انفرطت من بين أصابعي وكل النهار وحتى الصباح الذي تثاءب بفراشي قطتي وخربشات الصغار على جدار قصيدتي فما تبقى لي شيء كي أكتبك أيها الوطن الذي ليس لي كي لا يأخذني النسيان وكي لا يغطيك تراب الوسوسات وكي تغنيك الأمهات لأطفالهن ويشدوك السنون وكي أحلم أحلم أحلم باتساع الكلام أو حتى وهم الكلام وبأنني للحظة سيدة هذه المساحة هذا البياض أكتبه ولا يكتبني الغياب أرسمك بحنين غابر مثل عصافير تنثر البيادر والحروف والأرحام بالامتلاء لكن وقتنا ميت أيها الذي اشتهيه وطنًا وحتى اللغة التي نتهجى اللغة المليئة بالأكاذيب بالإشارات والمحرمات لا ترسم مولدك ولا مساحة القصيدة كافية