لم تمنعهم أشعة شمس الضحى من بلوغ مقصدهم وغايتهم، فقد أبوا أن يغادروا إلى بلدانهم إلا بعد إلقاء التحايا واسترسال النظرات نحو ما يعتقدون أنه يضم رفات أم البشر عليها السلام في مقبرة حواء الواقعة بحي العمارية بالقرب من المنطقة التاريخية وسط محافظة جدة. الرجال يدخلون المقبرة زرافات ووحدانا، أما النساء فبقين حذو بابها الواسع ذي اللون البني وتحت ظل شجرة مجاورة وهن يرددن دعاء زيارة القبور فيما أعينهن تفيض بالدمع، وهن يتمتن بكلمات لم نفهمها كونهن يتحدثن بغير اللغة العربية، وباستخدام لغة الإشارة فهمنا أنهن يتوسلن إلينا للسماح لهن بالدخول وإلقاء نظرة على المقبرة. حجاج يتقاطرون من هنا وهناك من الصين وإندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش وأفغانستان وباكستان، حيث تتصدر مقبرة «أمنا حواء» بشكل سنوي أجندة مزارات الكثير من حجاج الخارج خاصة حجاج جنوب شرق آسيا الذين يحرصون على عدم تفويت فرصة زيارة المقبرة التي يعتقد أن أم البشر حواء ترقد فيها. أمنية تحققت ويصف الحاج محمود نعمة الله من أندونيسا فرحته ب «البالغة» كونه حقق أمنيته منذ أن كان في بلاده برؤية المقبرة التي تحضن أم البشر جميعا حيث قال:» منذ مئات السنين ونحن نسمع من أقاربنا الذين أدوا مناسك الحج بأنهم زاروا هذه المقبرة العتيقة وها نحن اليوم جئنا لنشاهد بأعيننا ذلك ونتذكر أمنا حواء». لا متاجرة بالحجيج وبينما كان محمد هادي وهو مرشد في حملة لحجاج ماليزيا، يهم بسرد تاريخ هذه المقبرة لحجاج بعثته رفض أن يكون الغرض من المجيء إليها متاجرة بالحجيج واستغلال جهلهم، حيث قال:» على العكس من ذلك تماما فالحجاج بأنفسهم هم الذين يصرون على أن نأتي بهم إلى هنا كونهم سمعوا من أقاربهم في بلادهم عن تاريخ هذه المقبرة العتيقة، وعندما يكون وقت الزيارة قد انتهى يصرون على الوقوف عند أسوارها وإلقاء السلام على الموتى». اعتقاد غير صحيح من جهته نفى أستاذ علوم القرآن بكلية المعلمين بجدة وإمام وخطيب جامع الراجحي الشيخ عبدالله صنعان، أن تكون هذه المقبرة تضم رفات أم البشر حواء عليها السلام حيث قال: «الاعتقاد بأن حواء عليها السلام مدفونة في هذه المقبرة غير صحيح»، مشيرا إلى أن «بعض الأشخاص يروجون لهذه الفكرة المزعومة بين أولئك الحجاج الذين ليس لديهم قدرا كافيا من العلم لتمحيص ما يسمعون». واستدرك الشيخ عبدالله: «لكن يسن زيارة المقابر بشكل عام دون الاعتقاد بأفضلية واحدة دون أخرى باستثناء البقيع التي وردت الأحاديث الصحيحة على فضلها، ولمقبرة حواء ما لباقي المقابر العامة من الحرمة والمكانة». يشار إلى أن حجاج الخارج يحرصون على زيارة عدد من الأماكن في جدة عند الانتهاء من أداء المناسك مثل مسجد الرحمة (فاطمة) سابقا حيث يعتقد بعضهم أن له مزية دون غيره إذ ينسبونه إلى فاطمة الزهراء، فيما يرى آخرون أن قصة سيدنا موسى عليه السلام حدثت هنا، ومن ذلك ما روته لنا الحاجة سيرين محمود.