فريضة الحج عبادة شاملة لكثير من معاني الإسلام، تتضمن الخروج من الوطن، ترك الأهل والولد، تجشّم مشاق الطريق وعناء السفر، فضلاً عن مشقة الازدحام، وحرارة الطقس، وغير ذلك من المشاق. وهذا الركن الخامس من الإسلام هو الوحيد الذي جاء فيه الاستثناء «ولله على الناس حج البيت مَن استطاع إليه سبيلاً»، ويلزم توفير الاستطاعة بمفهومها الشامل الشرعي، وليس بالمفهوم الضيّق القائم على الزاد والراحلة، كما كان في السابق، وعلى علماء المسلمين أن يعمّقوا مفهوم الاستطاعة التي تتضمن القدرة المالية على تحمّل نفقة الحج كاملة، دون الإضرار بالنفس، أو الأهل، كأن يبيع بيته، أو مزرعته، أو ماشيته، أو أن يقترض من أحد -لا قدر الله- أو نحو ذلك؛ لأن هذه الفريضة تسقط عن هؤلاء شرعًا، وما نراه اليوم من عجز عن دفع تكاليف الحج، أو عجز صحي من مرضى القلب، والسكري، وضغط الدم، ومرضى الكلى، أو المعاقين إعاقة جسدية، أو نحوها إنّما يجسّد الجهل الحقيقي لمفهوم الاستطاعة في الحج، أمّا عن التيسير في الحج فهذا ما يلزم أن يعكف عليه علماء المسلمين، فالتيسير على الحجاج مطلوب ومنشود، والله يريد ذلك في جميع الأوامر الشرعية، «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، وقال سيد الخلق رسول الله لأبي موسى، ومعاذ بن جبل عندما بعثهما إلى اليمن (يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا)، وعنه صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثتم ميسّرين ولم تُبعثوا معسّرين). ومن ملامح التيسير، وهي صالحة في باب الحج وغيره: 1- «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر». 2- «وما جعل عليكم في الدّين من حرج». 3- أن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل الأفضل، وقد يختار الأولى رفقًا بالأمة؛ لأنهم يتأسون به، ولا يجب أن يشق عليهم، 4- الوجوب يتعلق بالاستطاعة فلا واجب مع العجز. 5- وبشكل عام فإن المشقة تجلب التيسير، وهي من القواعد المهمة في الشرع.. قال تعالى: (لا يكلّف الله نفسًا إلاّ وسعها)، وقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدّين من حرج). وبعد.. فإن ما دعاني لتجديد الكتابة في هذا الأمر هو ما نما إلى علمي بأن بعضًا من العلماء يطالب بالعودة عن الفتوى التي أجازت رمي الجمرات قبل الزوال رحمة بالمسلمين، بحجة أن منشأة الجمرات قد كملت، وبالتالي يمكن العودة عن الفتوى، وكل الذي أرجوه أن يكون ما تردد على مسامعي لا يعدو أن تكون شائعة، وما آفة الأخبار إلاّ رواتها، ونسأل الله أن نكون موفقين للصواب، فيما أوردناه عن التيسير في الحج، والحمد لله رب العالمين.