الكتابة في عرف العارفين، ودراسة الدارسين أسرار معلنة، وهي عبارة عن أحداث ومواقف، وتراكمات وجراحات، وآمال وآلام، وتطلعات تأخذنا للبعيد، ونعيش معها في عيش رغيد، هي مزيج من الفرح والحزن، إنما جذوتها الأصل (معاناة) شق على النفس تحملها، وصعب على القلب حملها، ويتميز الكاتب دائماً بالشجاعة الأدبية والفكرية، والمغامرة النفسية، يتوج ذلك روح نقية وسريرة صادقة (تبوح) بما تجد وتقول، وتحاكي شعورها ومشاعرها علناً، لهذا الإنسان عدة أبعاد لشخصيته أبرزها مناجاته وتأملاته، ونفسه الهادئة، جسد وروح أوجدت الكتابة بداخله منذ خلقه، هذا البعد المستنتج والمضاف لشخصه هبة من الله تعالى ليس للتحليل والتفسير والنقد والإيضاح فقط أو استعماله لمكونات حياته وواقع تجاربه بل هو يذهب لأبعد من ذلك حيث بإمكانه العيش في عالم آخر، فهو بذاته مبدع يتعامل مع الموجودات بريشة قلمه وحصيلة فكره، تنسجها تخيلاته وتصيغها تأملاته، قد يصورك بطلاً ويجعل من شخصيتك عملاقاً حسب لغته ومفرداته، كلماته وعباراته، وقد يحكم مشاعرك ردهاً من الزمن، ويستولي على إحساسك وقد يوجه حسك وعواطفك باتجاه ما يسطر ويرغب!! يدير الرقاب ويلفت الأنظار ويوقد في خلجات صدرك ما تريده وتصبو إليه.. لديه عوالم من البشر تقرأه وتتابعه، يغوص في مخيلاتهم ويسيطر بشكل محبب على أفكارهم، حين يوجد الورق الأبيض أمامه يثير به مكامن غريزة الكتابة، وقدرته على إيجاد معالم البوح، لتغدو في يده وسيلة إيضاح وأسرار معلنة، لديه الكثير جداً من الأراضي والكثير من المنشآت (الورق والمقالات) يشيد على مدى مساحات أفكاره ما شاء من آماله وتطلعاته، وطموحاته وأحزانه، وما ينقشه المداد من معاناته ومعاناة الناس من حوله، يجيد التحكم بالقلم فيثري الحياة بتناغم عجيب من نصوص وجمل ومعان وحكم وأفكار وتصورات. * إن في هذا المتنفس العجيب نعمة من الله عظيمة، ولكل إنسان متنفس حسب عقليته وشخصيته، يضاعف جهاز المناعة لديه، ويقيه من أمراض كثيرة خطيرة ومستعصية، وفي الكتابة بالذات نتعرف على أنفسنا، ونقرأ آلامنا ونلمس جراحنا، ونقدر معاناتنا وتضحياتنا، ونعتبر من همومنا وتوعكنا النفسي يفيض ذلك عبيراً وزهوراً من بين السطور ليزكي الذائقة الأدبية والحس المرهف، وعمق الوجد ومكامن البوح. * إن التَّربُّع على عرش القارئ علاقة ود واحترام ما بين الكاتب ومن يقرؤوه، نشأت وتنامت من شعورٍ ملموس يفوح من تلك الروح الطاهرة والإحساس اليقظ، تلكم مشاعر صادقة ومحبة للخير أكيدة من آمال كبيرة أن يعم الله بفضله الجميع.