تعبر الطريق.., تشاهد ما يستلهم يراعك بشهية الكتابة... يراعك في غمده، يرتاح قليلا بالتأمل في حلم مؤجل... تُخرج تأملك من مكمنه، يتحرك نحو أجنحة كانت للتو قد انقبضت على جانبي أمَلِك، مؤجلةً التحليق.., أملك المسترخي بعد رشفة من صيرك.., ممزوجة بماء نبضك، ودفق عزمك.. زلالا هذا الأمل ينسرب في تجويفة وعيك... فتؤجل تدوين هذا التركيب العجيب الخافق داخلك...!! وقتك يضيق عن كل مؤجلاتك.. فهو مشحون بكل ما فيه..!! محاط بكل ما حولك..!! تجتمع بثلل من الناس..., تصغي لأحلامهم..., لشكواهم..., لحرقة نفوسهم..., أو برد نعيمهم...,... تنبسط أمامك مفارقات عديدة..., توحي لك برغبات كثيرة لأن تدونها كلماتٍ في صحائف قولك... لتعالجها بخليط من رأيك، وحصيلتك... تضطر لأن تؤجلها لحين قدرة، ولحين فائض وقت.. ولا قدرة.., ولا وقت لأن تجلس لركنك الهادئ الخاص في صومعة بوحك... حيث تقول، ويصغي إليك يراعك، وصحيفتك.., ومن ثم يحمل ما تنبض به، فيرسمه على الورق...!!! فقدرتك مشلولة، ووقتك محاط بما حولك...!! تقرأ كتبك.. تسافر بها، وأنت في مكانك مع البائسين، والرحل، والمحاربين، والسياسيين، والقاصين، والشعراء الحالمين، والمقهورين، والثائرين،... مع نبض فر من الصدور، وآهات اندلعت بها الحناجر، وأقوال لم تلجمها الألسن، مع طبيعة خلابة تشدك لفتنة الجمال، ولخبايا ترهبك من فرط المآسي والشرور.. مع ما يعرفك بالآخر، خيره الوفير, أو شحه الكبير، أو سلاحه الخطير..!! تفعل مسافرا في هذا العالم ولا تضيع في شعابه، وإن تهت فيها..., ولا تكل من معطياته، وإن غصصت بها..!!... ترغب في الإفضاء فلا تجد وقتا..., فتؤجل ما اختمر داخلك لحين تهف عليك الفكرة، وتحوم حولك الرغبة، وتضطرم داخلك العزيمة..!! لكنك تؤجل.., وتؤجل.. فثمة ما يقصيك عن المثول بين يدي لحظة تدوين...!! لا وقت.., ولا رغبة.. رغبتك مكبلة، ووقتك مشحون بما حولك..!! دهشتك تتسع،... وتتعمق،... وتطفو من ثم على سطح حيرتك...! لماذا تؤجل.. لماذا تقصي رغائبك عن البوح.., وتتدنى نحو الصفر عزيمتك عندما نفكر فيه..؟ لماذا وبوتقة الروح يقظة بما فيها، والعقل مكتظ بالرؤى، والبصيرة مكتنزة بالمشاهد، والشواهد، وكل الذي لديك قابل للبوح.., والتدوين، وقلمك طوعك، وقرطاسك مشرع بين عينيك..؟ ربما... وربما... وربما لأن ثمة ما يستقر فيك من يقين، بأن لا جدوى من البوح مع هذا الطمي الذي لوث خريطة تنبسط أمامك, يتحرك فوقها الإنسان بغثائه.., وسيْله...!!