دفتر المذكرات..مساحة البوح السرية التي تستهوى الفتيات للكتابة عن كل ما يختلج في النفس من مشاعرمؤثرة.. وتوثق «الذكريات الجميلة» التي لا تنسى في حياتنا.. ونسترجع معها المواقف واللقاءات التي نحن إليها في كل وقت نعود فيه إلى الماضي.. ويبقى السؤال في هذا التوثيق الدائم لمشاعرنا.. هل هو تنفيس عن معاناتها أم أنه تسجيل للذكرى؟، وما مدى خوف الفتيات من اطلاع الآخرين على هذه الأسرار وكشفها؟. في البداية تقول فاطمة العثمان- طالبة جامعية- " أجمل أوقاتي أقضيها مع ذلك الدفتر الوديع الذي يجمع بين صفحاته رسمات جميلة تنفذها أناملي أثناء البحث عن المفردات .. دفتر مذكراتي هو صديقي الذي لا يمكن أن يجحدني يوماً ... أسجل فيه كل مشاعري وعادة ما أحفظه في حقيبة مقفلة لا يطلع عليه غيري، واستمتع كثيراً حين أعود لصفحات مضى عليها بضع سنوات، غير أن هناك من المواقف التي كتبتها وتزعجني ولكن لا أقوى على نزعها أو التخلص منها، حيث عاشت معي تلك السطور سنوات طويلة .." أما السيدة خلود الغامدي وهي متزوجة و أم لأربعة أطفال فكان لها مع دفتر المذكرات موقف طريف، حيث تضطر في كل مرة تكتب في ذلك الدفتر أن تخفيه في مكان مختلف عن السابق خوفاً من أن يطلع عليه بناتها أو زوجها .. تقول في قصتها " ذات يوم أردت ذلك الدفتر ولم أجده ... لقد نسيت أين خبأته لاسيما أنني لا أكتب مذكراتي بشكل يومي ولا حتى سنوي بل ألجأ له فقط حين تعترضني مواقف معينة أخشى فيها البوح لأي إنسان .. المهم بقيت لأسابيع طويلة أبحث عنه ولم أجده حتى شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن أجده بيد زوجي أثناء نقل بعض أثاث المنزل فشعرت وقتها بأن جبلاً شاهقاً فوق رأسي وأصبت بالتأتأة في كلامي فقد قرأ بضع صفحات تتحدث عن مشاكلي مع أسرتي وأحمد الله أنني لم أكن أكتب شيئاً مما يضايقني تجاهه إلا أني كرهت ذلك الدفتر وتخلصت منه فوراً وبصراحة بعد بضعة شهور افتقدت الكتابة فيه وندمت على تخلصي منه .." هنادي عبد الرحمن -طالبة بالمرحلة الثانوية- تقول أنها تستخدم المدونات الالكترونية وتراها أكثر تواصلاً ومتعة من المذكرات الورقية غير أنها لا تذكر من الأمور الخاصة بمشاعرها شيئاً، وتفضل البوح الشفهي لصديقة تثق بها عن الكتابة التي قد تقع عليها عين شخص ما؛ وبالتالي تسبب مشاكل هي في غنى عنها .. في حين تعتبر الطالبة حليمة بالمرحلة الجامعية الموضوع في غاية الخطورة، فتقول " لا يمكن أن أبوح بأسراري أو مشاعري على ورق يمكن أن يقرأه أحد، كما لا أعتقد أن من الناس من يستحق أن أحكي له عن أسراري .. ولي زميلات كثيرات فلست منطوية، ولكنني لا أملك صديقة واحدة ..، ولذا يجب أن يتعود الإنسان على إخفاء أسراره ومن لا يستطيع فلديه عبر" الشات" الكثير من المواقع التي لا تعرف شخصيتك وبالتالي ممكن الحديث معها بحرية واستشارتها بدون خوف .." أما لانا الشقير، وهي طالبة بالمرحلة الثانوية فتقول أنها تستخدم الجوال للاحتفاظ ببعض ما تشعر به في مواقف معينة. الأخصائية النفسية الأستاذة منى الريس ترى أن هواية أو عادة تدوين الأحداث في دفتر خاص يسمى دفتر المذكرات يهتم بها عادة أولئك الأشخاص الذين تربطهم بالورقة والقلم علاقة قريبة. وقالت:" إن هؤلاء الناس لا غنى لهم عن التدوين وكتابة ما يختلج في صدورهم من أفراح وأتراح، ونصيحتي لهؤلاء أن يكتبوا بلغة الرموز لأن ما يكتب بتلك المدونات هو حتماً من الأمور التي تمس خصوصيات كاتبها مشيرة إلى أن غالبية من ينتهجون هذه العادة من الإناث، لاسيما المراهقات أو السيدات اللاتي اعتدن هذه العادة من الصغر، موضحة أن البعض يعدها متنفساً، بينما البعض يرى فيها أمراً مزعجاً. وبخصوص المدونات الالكترونية تقول الأخصائية الريس " إنها تحمل يوميات صاحبتها غير أن تلك المدونات باعتبارها تظهر علناً من خلال جهاز حاسوبي فهي عادة ما تحمل أحداثاً يومية عادية جداً بعيدة عن الخصوصية ولا تعتبر ضمن أساليب البوح أو التنفيس المطلوب .." وتنصح الأستاذة منى الريس كل من لهم هواية التدوين بدفاتر المذكرات ويحمل ذلك الدفتر في سطوره أحداث حزينة أن يتخلص منها، وتقول " علينا أن نسأل أنفسنا ما الهدف من كتابة تلك المذكرات ؟ فإن كان الهدف هو التنفيس عن أمر مزعج حدث أو من أجل تفنيد وتحليل مشكلة ما علينا هنا التخلص مباشرة من تلك الكتابات، أما إذا كانت المذكرات تحمل الأحداث المفرحة فلا بأس من الاحتفاظ بها مع أهمية استخدام الرموز والإشارات المبهمة التي تستثير الذاكرة والتي لا يفهما سوى صاحب الدفتر، مشيرة إلى ضرورة عدم اجترار الأحزان الأمر الذي قد يحفزه وجود المذكرات المدونة والتي تعيد إلينا الإحساس بالمواقف الحزينة كلما قرأناها بل على العكس على الإنسان أن يسعى لنسيان آلامه والتسامح مع نفسه والآخرين .. وفي موضوع اطلاع الفضوليين على المذكرات قالت " سبحان القائل "ولا تجسسوا" وهذا التجسس والاطلاع على خصوصيات الآخرين يجلب دائماً ما لا يحمد عقباه ولا أعني بالآخرين الغرباء بل أعني أقرب المقربين من أب وأم وزوج وأنصح بوجود حدود لأي علاقة، وللأسف البعض يعتبر رباط الزوجية مثلاً مبرراً لكسر جميع الخصوصيات والحدود حتى أن من الزوجات والأزواج من يعتبر اطلاع الآخر على رسائل الجوال مثلاً حق مشروع توجبه الثقة والشفافية في حين يسعى البشر الطبيعيون لإيجاد حدود معينة مهما بلغت درجة وعمق العلاقة وأرى أن هذا هو الأفضل فقد تستقبل إحداهن رسالة جوال من صديقة لها لا ترغب في اطلاع الآخرين عليها ليس لشيء وإنما لإحساسها بالاستقلالية في حين يفسرها آخرون غموضاً وتشككاً .. اجعلوا شيئاً ولو بسيطاً من الخصوصية بينكم وبين الآخرين أياً كان هذا الآخر .. زوجاً .. أباً .. أماً .. أخاً .. وما أود قوله أن ما يجري على المدونات المكتوبة يجري أيضاً على الأشياء التي تحمل الخصوصية بصورة محدودة .. " وأضافت " البعض يكتب شعوره ساعة الحدث أو المشكلة وقد ينتهي ذلك الشعور بعد دقائق من كتابة ذلك الاستياء في حين تبقى سلبيات الصفحات سنوات طويلة لا تجلب سوى تجديد الانزعاج لدى صاحبه وفضح الأمور المنتهية الصلاحية لدى المطلعين على تلك الصفحات أو السطور فماذا جلبنا لأنفسنا من تلك الكتابات المختبئة سوى النكد والهم؟.."