الخروج من البيت في المجتمع السعودي لا يخلو من مغامرات مجهولة العواقب، فقد صار محفوفا بالمنغّصات والمضايقات، بل والأخطار المتربصة، نتيجة السلوكيات غير المهذبة، والتصرفات المتهورة، من الذين لم ينالوا حظهم من التفكير والوعي السليمين، وما أكثرهم. فنتيجة للتجارب اليومية، يعيد أحدهم النظر في قرار خروجه من منزله وقيادة السيارة، ويتأكد من وجود سبب وجيه لخروجه أصلا، ثم يبدأ في رسم خطة ذهنية لتجنب الشوارع المغلقة بالمشاريع المتعثرة، المتخمة بالمطبات والحفر، أو السابحة في المياه الآسنة، فمن أوّلياته محاولة تجنب الزحام غير المبرر، وتفقّد الشوارع من كل اتجاه، حرصا على تفادي قاطعي الإشارات الضوئية، وعاكسي اتجاهات الشوارع، حيث يحتاج الإنسان إلى نفسية جيدة، وأعصاب ثابتة، لتحمّل المشاهدات الشاذة للمستهترين، الذين اعتادوا على تجاوز حقوق الناس، خاصة في مناسبات عامة، أو احتفالات شعبية، يترقب بعضهم انقضاءها على خير، دون تعطّل مصالحهم، أو تورطهم في حوادث مرورية، أو مشكلات سلوكية، ذنبهم الوحيد فيها أن حظهم العاثر اضطرهم لاستخدام حقهم في الطريق العام، في الوقت الخاطئ !!. ويدخل في وصف الأنانية والاستهتار، ناهيك عن التعدي على هيبة الأنظمة، إيذاء الناس بالتدخين في الأماكن العامة والمغلقة، والوقوف الخاطئ بالمركبات، وسد منافذ عبور الناس، وإزعاجهم بالتحدث بالهاتف النقال بصوت مرتفع أو من خلال مكبر الصوت في الأماكن العامة، إضافة إلى البصق وإلقاء المهملات من نافذة السيارة، واختفاء كلمة «من فضلك» من قاموس أكثرهم. أما أخطر ما رأيت، قراءة أحدهم للصحيفة، أثناء قيادته سيارته على الطريق السريع، ووضع آخر لطفله في حجره ومداعبته له، أمام عجلة القيادة!!. زار أحد أصدقائي الأعزاء مدينة جدة، بعد غياب دام أكثر من عشرين سنة، ولم يخف استياءه وحزنه العميقين، نتيجة ماشاهده من سوء تخطيط، وتنفيذ بائس، وشوارع مهترئة، وتصرفات عامة يضج منها صاحب الذوق السليم، وغياب لهيبة المرور، وقصور واضح في تطبيق قوانين سلامة الإنسان، وسألني قائلا: ماذا جرى للمدينة التي عشت فيها طفولتي ؟ فضاق بالمرارة صدري، ولم ينطلق بالكلام لساني!!. [email protected]