قد يستاء أحدنا من تصرفات بعض الناس، وينتقد سلوكهم، وسوء تقديرهم للأمور، وتوانيهم عن القيام بمسؤولياتهم، مما يدفعه إلى الغيظ وخيبة الأمل. لكن من الحكمة إنزال الناس منازلهم، وقراءة مرجعياتهم الثقافية والاجتماعية، ليس لتبرير أفعالهم، بل لصياغة انطباع سليم عن جوهر تصرفاتهم، والتنبؤ قدر المستطاع بأدائهم وسلوكياتهم. ليس من الحكمة توقع النجاح ممن قصرت عن المعالي همته، كما من غير المبرر ترقب المعروف من غير أهله، فالنتائج بأسبابها، و «كل إناء بما فيه ينضح». وقد يبدو هذا المنطق محسوما لدى الناس، لكن الواقع متخم بالتوقعات الخاطئة، وانتكاسات الآمال، بسبب الإفراط في حسن الظن بأحدهم، والاغترار بمنطقه، وتناسي مبدأ: «فاقد الشيء لايعطيه». ولعل ما يفسر فرط تفاؤل بعض الناس، تكالب الهموم الاجتماعية عليهم، فسماؤهم ممطرة، وطريقهم مسدود، فيرون أي لمعة في ظلام الليل نجما يستضاء به، ينساقون وراءه طمعا في الهداية، فإذا بهم يزدادون به تيها. لكن «المؤمن كيس فطن»، فالعاجز لايقوى على الركض، والجاهل لا يعتد بنصحه ومشورته. لقد وضع كثير من الناس المغبونين ثقتهم في غير أهلها من بعض المسؤولين والمديرين، وأعطوا وعودهم قدرا أكبر مما تستحق، واغتروا بشعاراتهم، وتناسوا أن الإتقان في العمل لا يولد مع المرء، وأن الإبداع ليس نتاج واسطة أو محسوبية، بل يعود إلى عاملين رئيسيين هما: «القوة والأمانة»، وما يندرج تحتهما من معاني الإخلاص والاجتهاد والمثابرة، تدعمها الأنظمة والقوانين الضامنة للحقوق، المراعية للفرص المتكافئة. ومن المنطقي القول: إن أحوال البيئة الإدارية في معظم مؤسسات المجتمعات العربية والإسلامية ومرافقها الحيوية، لن تصلح أو تتطور، حتى تشرق شمس الشفافية على أنظمتها، ويسند تصريف أمورها إلى أهلها، إذ «لايستقيم الظل والعود أعوج». * استشاري أمراض صدرية واضطرابات نوم جدة [email protected]