أثارت أزمة المعتمرين المصريين في مطار الملك عبدالعزيز بجدة في نهاية شهر رمضان الفائت الكثير من البلبلة والتضخيم إلى درجة قيام البعض بإعطائها بُعدًا سياسيًّا نفاه الطرفان السعودي والمصري في حينه. فقد أكد السفير السعودي في القاهرة الأستاذ أحمد عبدالعزيز قطان عدم تدخل الرياض في الشؤون الداخلية المصرية، ورفض تسييس الأزمة، بينما نفى وزير التضامن الاجتماعي المصري الدكتور جودت عبدالخالق ما تردد بأن أزمة تكدس المعتمرين المصريين سياسية. كما أكد ناصر ترك، نائب رئيس غرفة شركات السياحة المصرية، أن الجانب السعودي لا يخلط بين السياسة والدّين، وبأن المملكة تتعامل مع المعتمرين والحجاج باعتبارهم ضيوف الرحمن. أمّا عن أسباب أزمة المعتمرين نفسها، فقد أكد منير فخري عبدالنور وزير السياحة المصري في حينه بأن هناك ثلاثة أسباب وراء تلك الأزمة: - الزيادة في أعداد المعتمرين الراغبين في مغادرة الأراضي السعودية، والذين وصلت أعدادهم إلى 243 ألف معتمر، منهم 13 ألفًا متخلفون من بداية موسم العمرة. - مشكلة الأوزان الزائدة التي حملها المعتمرون في رحلات العودة. - تعطل سيور الأمتعة في المطار. هذه هي -تقريبًا- نفس الأسباب التي خرج به بيان مشترك أصدرته الهيئة العامة للطيران المدني مع الخطوط الجوية السعودية (الجمعة 2-9-2011)، عدا تشديد البيان السعودي على أن: «تدافع بعض المعتمرين، واستعجالهم بالسفر دون توفر حجوزات، بالإضافة إلى التصرفات والسلوكيات غير المسؤولة التي صدرت من بعضهم، تسبب في مزيد من الضغوط على العاملين الذين يقومون بتأدية واجبهم نحوهم؛ ما أدّى إلى فقدان بعضهم اللحاق برحلته». ولم يبرّئ البيان الخطوط السعودية، واعترف بوجود تأخير في بعض الرحلات لأسباب تشغيلية. أن أزمة تكدس المعتمرين ليست جديدة -كما حاول البعض تصويرها في وسائل الإعلام- لكن تكرار حدوثها يشكل خللاً عمليًّا يجب التعامل معه بجدية من قِبل الجانبين. وأول ما يجب الاعتراف به من الجانب السعودي هو أن مطار الملك عبدالعزيز، وخدمات الخطوط السعودية ليستا في مستوى الطموح.. فلا المطار، بوضعه الحالي قادر على استيعاب الأعداد المتزايدة من الزوّار والمعتمرين والحجاج، بل والمسافرين العاديين، بخدماته وحجمه اللذين لا يتناسبان لا مع حجم المملكة، ولا مع مركز جدة كبوابة للحرمين الشريفين. ولا الخطوط السعودية بوضعها الحالي قادرة على تلبية ركابها في الداخل، ولا في الخارج. وهناك حاجة لإنشاء لجنة «سعودية - مصرية» مشتركة للوقوف على الوضع القائم، وتطوير آليات العمل والتعامل بين الجانبين. وأرى أن يستمر عمل هذه اللجنة خلال موسم الحج المقبل لاستكشاف نواحي الخلل للاستفادة منها، ليس فقط فيما يتعلق بالمعتمرين أو الحجاج المصريين، بل لجميع الحجاج والمعتمرين الذين تتماثل مشكلاتهم بشكل أو بآخر. ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن العلاقات بين الدولتين الشقيقتين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية هي علاقات متميزة، ذات تفرّد خاص. فهي ليست فقط علاقة بين حكومتين بينهما كثير من المصالح المشتركة، ولكنها علاقة بين شعبين يربطهما كثير من الوشائج التي من الصعب أن يفصل بينهما نزاع، أو خلاف مهما كبُر. فإذا كانت العلاقة بين الدول تتأثر بتغير البيئة السياسية، فإن العلاقة بين الشعوب تظل قوية. وكثيرًا ما تفرض نفسها على الحكومات، وتدفعها إلى التسامي فوق خلافاتها. ونأمل أن تظل علاقات البلدين الشقيقين قوية على المستويين الرسمي والشعبي، وفي كافة المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو غيرها.