بعد أن حاول النظام المصري البائد عبثا، أن يقطع بث بعض الفضائيات الإخبارية وخاصة قناة الجزيرة إبان الثورة المصرية، ها نحن الآن نشاهد تكرار نفس المحاولات على يد بعض الأنظمة العربية التي انتهى تاريخ صلاحيتها منذ زمن ليس بالقصير. إنني لا أفهم كيف تفكر هذه الأنظمة القمعية التي وقعت ولا تزال واقعة تحت تأثير قناعة عجيبة مفادها أن بعض القنوات الفضائية هي التي أججت الغضب الشعبي وحركت الجماهير للتظاهر وأثارت الشارع، وكأن الشعوب التي تحكمها تلك الأنظمة لا تمتلك أسبابا حقيقية للتعبير عن غضبها والمجاهرة بمطالبها المشروعة، حتى انتهى الأمر إلى إعلان الثورة! القنوات الفضائية ليست طرفا في الصراع الذي يدور بالعديد من البلاد العربية، وإذا كانت هذه القنوات تلعب دورا ما وسط الظروف الراهنة، فإنها لا تفعل أكثر من محاولة ملاحقة الحدث بعيدا عن بيانات الأنظمة الرسمية التي لا يثق بنزاهتها أو بمصداقية المعلومات الواردة بها، حتى أولئك المتعاطفون مع هذه الأنظمة. المشكلة ليست مشكلة القنوات الفضائية التي لم تفتعل الأحداث ولم تختلقها من العدم. وحتى وإن سلمنا بوجود أجندات خفية لهذه القنوات، وحتى ولو سلمنا بأن جميع وسائل الإعلام مسيّسة وتخدم توجهات ما، فإن ما يحدث في البلاد العربية لا يمكن إنكاره، وما تمتلئ به وسائل الاتصال والإعلام الجديد تكذب كل مزاعم تلك الأنظمة التي تقابل تظاهرات الثوار السلمية بأقصى درجات العنف الوحشي. فما هو المطلوب بالضبط من الفضائيات حتى ترضى عنها تلك الأنظمة وتكف عن تحميلها مسؤولية ما يحدث على أرض الواقع؟! إنها كارثة فعلا ألا تتعلم تلك الأنظمة من تجارب الأنظمة التي سبقتها في السقوط، وإنها لكارثة أكبر أن تلجأ الأنظمة القمعية التي تقاوم الثورات الشعبية، إلى وسائل ثبت أنها لا يمكن ان تجدي نفعا في زمننا، كمحاولة قطع خدمات الإنترنت أو محاولة التشويش على بث بعض القنوات الفضائية التي تنقل ما يجري. هل يجهل هؤلاء في أي زمن أصبحنا نعيش..؟ أم أنه اليأس والعجز والارتباك وقلة الحيلة وعدم القدرة على قراءة الموقف؟! أيا كان السبب فإن زوال هذه الأنظمة لن يكون سوى مسألة وقت فقط.