يقال أن النعمان بن المنذر خرج ذات يوم تتبعه حاشيته حتى مروا على تلة ( مكان مرتفع من الأرض ) فوقف عندها النعمان وصار يتأمل بالطبيعة من حوله. عندها تقدّم اليه رجل من الحاشية فقال ذلك الرجل ترى يا مولاي لو ذبح احدهم على سفح تلك التلة الى اين سيسيل دمه ؟ ففكر النعمان لبرهة ثم قال والله ما المذبوح الا انت!! وسنرى الى اين سيصل دمك فامر به فذبح على رأس التلة فقال رجل من الحاشية « رب كلمة تقول لصاحبها دعني « واصبحت هذه المقولة حكمة ثمينة تردد من افواه الناصحين لأولئك الذين يتجرأون على الافصاح عن آرائهم , كيف يكون الصمت عن ابداء الرأي حكمة تغشى المجالس والدفاتر الثقافية . قول في حضرة مستبد اصبح في الثقافة العربية مسلكاً حكيماً , هل اصبحت حتى الكلمات غلولا على الافكار , متى يتحرر العقل والفكر وبالتالي الإنسان ,إذا كان يخاف من كلمة تسجل ضده ليس من قبل مستبد بل من تصور أن الله سبحانه وتعالى يكره الافصاح عن الفكر بالكلمات . ( رب كلمة قالت لصاحبها دعني ) إنها الترهيب والتخويف والترعيب , حتى يبقى لسان الإنسان محبوساً مطبقاً لايقول شيئاً . وفمه مكمماً لايبدي رأياً ,وبالتالي لايُعْرب ولايعبّر عن مكنوناته , ويظل الخوف يلاحقه حتى تموت افكاره في سجن الكلمات , يظل الإنسان يحبس كلماته والافصاح عن افكاره مخافة أن يزل لسانه , بل يصل به الامر حتى يخاف أن يناجي نفسه بالافكار ,لأن الكلمات تقتل وتدخل النار , هكذا اراد المستبد تخويف الناس من النقد العلني , باسم الله وتحت عنوان الحكمة والتعقل والرشد . لم يناقش ناقل الرواية , موقف النعمان واستباحته نفسا بريئة وازهاقه روحا تنبض بالحياة بسبب كلام عابر . بسبب رأي مجرد , فهذا ليس المهم , المهم أن تصمت الحاشية وبالتالي الناس في حضرة المستبد , فهو القادر على كل شئ , وماالناس حوله إلا كالحجارة والخشب المسندة وكالأنعام يتصرف بها كيف يشاء . لقد توفّرت في النعمان بن المنذر بعض المواصفات التي تتفق مع تكهنات بعض العرب حول إمكانية ظهور إمبراطور عربي، فهو شديد البأس معتدّ بنفسه، سريع المعاقبة إلى حدّ الظلم، متكبّر متجبّر إلى حدّ الاستبداد , إن ثقافة الخرس هي لب ظاهرة الاستبداد ، والالغاء ، والاقصاء ، وتكميم الأفواه ، وسد مسامات الجلد ، إن هذه الثقافة الخرسية تمارس من قبل ثالوث التخلف مجتمعة أو متفرقة ؛ الانظمة الطاغوتية ، والأعراف الجاهلية ، والمناهج التقليدية التي تعطل عقل الانسان وتجعله في عداد آلات النقل !! في حالة الخرس الثقافي نجد اللسان في حالة جيدة ، لكنه قد مورست عليه ثقافة التعطيل ووجوب الخرس وذلك عبر منظومة ثقافة الخرس من ؛ تجريم حرية التعبير ، وخنق روح الابداع ، وقتل عملية التفكير ، وزهق إبداء المخالفة ، وممارسة تعطيل دور اللسان بكافة أشكاله ، من خلال دهاليز الانظمة والاعراف والمناهج التي تغذي الاستبداد والاقصاء وتحيي فقه الخرس ؛ فقه السمع والطاعة المطلقة !! إن قصة النعمان مع حاشيته و في حضرة صورة المستبد الذي يجمع إلى الغدر والخسة والفظاظة. الرغبة العاتية في ابادة كل مغاير ومخالف , تؤكد كيف يخالف المستبد سنة الانبياء في استماعهم لمخالفيهم وتلطفهم مع انصارهم واتباعهم , بل ومع اعدائهم ومناوئيهم , لكن المستبد لايقوى على الاستماع لوجهة نظر مخالفة لذوقه والإ كان جزاء المتكلم بها جز الرأس ولايهم حينها في أي اتجاه يسيل دمه , هذا ولازال احفاد النعمان بن المنذر متمسكين بطبيعة جدهم المستبد . [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (16) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain