«المجتمع المدني والعدالة» واحد من أهم المؤلفات المترجمة التي قام بترجمتها أربعة مترجمين يعدون من الباحثين النشطاء، وهم: راند النشار وماجدة مدكور وعلا عادل عبدالجواد وعماد نخيلة، والكتاب هو من تحرير توماس ماير واودوو فوهولت ويأتي ضمن سلسلة من المناقشات والحوارات التي يتبناها قسم العلوم السياسية بجامعة دورتموند وأكاديمية السياسة والفلسفة بمدينة بون الألمانية التي تأسست عام 1922 على يد الفيلسوف والسياسي لونارد نيلسون، وقد واصل مريدوه عمل الأكاديمية، حيث بنت افكارها على أساس المسؤولية المجتمعية في أبحاثها ومنهج الحوار والنقاش من جل تحقيق صالح المجتمع. ويأتي الكتاب كعملية توثيقية لحوارات دارت عام 2004 حول دور المجتمع المدنى في تحقيق وزيادة العدالة في المجتمع، حيث تناول الكتاب رؤية الباحث ادريان راينرت على التنمية والالتزام من اجل المجتمع المدني وبأن هناك احتياجًا إلى رأس مال اجتماعي تفاديًا للصراعات الاجتماعية وكشف الكتاب ان الفقراء غالبا ما يحيون حياة خالية من الحريات الأساسية كحرية اتخاذ القرار والتصرف لأنه كثيرا ما ينقص الفقراء الغذاء المناسب والمأوى والتعليم وهو الذى لا يمكنهم من حياة كريمة. ويشير الكتاب إلى أن البنك الدولي لا يشير بشكل صحيح عن حجم المأساة التى يعيشها سكان العالم بانخفاض نصيب الفرد يوميا من المال لان قرابة او أكثر من مليار و2 فاصل عشرة يتوفر لهم اقل من دولار يوميا. ويشكك البحث فى ذلك حيث يرى ان النسبة الأكبر هى التى لا يتوفر لها هذا المبلغ ولذلك يرى الكتاب حقوق الإنسان منتهكة مادام لا يعيش حياة كريمة ومادام الطرف الآخر لا يحقق له الحرية فى حياته بتوفير احتياجاته. مشيرا الكتاب إلى أن المادة 23 من إعلان حقوق الانسان تنص على حق الإنسان الاجتماعي والاقتصادي هو الاختيار الحر في العمل وحق الحماية من البطالة بل ان المادة 25 تنص على حق كل شخص في مستوى معيشة يحقق له الصحة والرفاهية، وقد جاءت المادة 28 تختزل اغلب البنود التي تخص الإنسان، من حيث الحياة المناسبة والأمان الاجتماعي والتعليم. ويشير الكتاب إلى انه للأسف الشديد ان كل هذه الحقوق لا تنفذ وما هى الحقوق الأدبية دون فعل حقيقي لغياب القوة التنظيمية في تحقيق هذه الحقوق ويكشف الكتاب ان دول الرفاهية تستحوذ على حقوق الدول الفقيرة. ويرى الباحثون أن الدول من واجباتها التأمين الاساسي للحد الأدنى من التعايش الثقافي لرخاء البشر في كل مراحل الحياة من خلال نظام تامين اجتماعي مناسب ونظام صحي واسكاني، فضلا عن حماية البيئة وتشجيع البحث العلمى وصيانة البنية التحتية من طرق ومنشآت ومدارس بما يحقق للمواطن حياة هادئة، وبرغم ان الكتاب يرى ان الحرية أساس شرعي غير ان هناك أيضا مخاوف من الغد ربما يأتى ولكن لا يسد رمقه؛ في المقابل قد تتوافر دولة الرفاهية ولكن لا تتوفر الحرية والمسؤولية الشخصية للفرد وهو ما يطلق عليه الشخصيات المستأنسة فالعدالة الاجتماعية عدالة مشتركة بين المواطن والدولة في كل الأحداث بمعنى العدالة الاجتماعية يجب ألا تسلب الإنسان حقوقه وحريته بل هي أساس للديمقراطية. وحول المجتمع المدنى يؤكد البحث ان الشباب يتخذ من العمل المدني طريقا لأنه يقف وراء ذلك دافع الإيثار والحب والمساعدة وتحقيق الذات وهو ما جعل منظمات العمل المدني تتزايد فى العالم بشكل كبير وهو رغبة تلح على كثير من الشباب حيث يستهدف العمل المدنى التطوعى للأفراد والجماعات الصغيرة؛ فالعمل المدنى مشروع ذو أساس اخلاقي واجتماعي تقوم أسسه على الحرية وخلق مجالات لهذه العدالة. ويرصد الكتاب تجارب مختلفة في الحياة السياسية والاجتماعية ومفهوم العدالة الاجتماعية متخذًا من ألمانيا أنموذجا كدولة أوروبية، حيث يحلل مفهوم الرفاهية عند الالمان والمشاكل السياسية التي مرت بها إبان انقسام الالمانيتين الشرقية والغربية والركود السياسي الذي مرت به وهو ما تناوله الهولندي رينية كوبيروس فى بحثه، حيث يفسر رينية مفهوم الشعبية وأزمة التمثيل السياسي، حيث يقول حين تقوم حركة شعبية في مكان ما فإن معناه ان هناك خلفية التمثيل السياسي، وذلك يعنى ان الناس غير ممثلين جيدا من قبل المؤسسات السياسية وان هناك تغييرات سياسية تحدث دون موافقتهم، وبالتالي في ذلك الوقت لا يمكنهم التأثير فيها إذ هي مملاة عليهم بقدر من الإجبار من قبل السياسة وهو ما يعد اضطرابا سياسيا ويأسًا ايديولوجيا وارتباكا عند الصفوة. ويضيف الباحث عند تلك الشعبية يمكن ان تتخذ شكلين احدهما شرير كما يقول الباحث مثل النازيين الجدد او اليمين المتطرف او تتمثل في شكل صبي مرح حين تكون نموذجا للديمقراطية الصحيح او شكل ثالث ناقوس خطر يهدد الصفوة ان مفهوم العدالة تناوله اكثر من باحث متحدثًا عن تجربة العدالة في بلاده وإشكاليات، ذلك في فترة من الفترات في دول مثل ألمانيا وهولندا. اما الباحث اودو فورهولت فيفند مفهوم العدالة حيث يقول ان العدالة تحظى باعتراف انساني عام، ولكن تأسيس العدالة ومبادئها هي موضع خلاف ولكن العدالة هي من أهم الفضائل والسلوك الانساني ومعيار لتقييم الأفراد والمجتمعات على حد سواء وهى إلى جانب ذلك معيار للقانون فمنذ العصور الوسطى أصبحت العدالة هي الكلمة المتوارثة عن فكرة العدالة عند الإغريق والرومان ان العدل أساس الملك هو مبدأ فلسفي عندهم ولفلسفة الدولة وان كان واجب المتمثل في تحقيق العدالة يقابله على الجانب المقابل حق المحكومين في مقاومة الظلم. ويشير الباحث إلى ان الجدل السياسي في العدالة يكمن في مسألة التوزيع بصفة خاصة فالمساواة في توزيع الفرص هو المبدأ الليبرالي وكل حسب قدرته الإنتاجية هو المبدأ الاشتراكي أما أفلاطون فقد كان يرى ان العدالة كل يؤدى ما عليه ويتطرق افلاطون لمفهوم العدالة في كتابه الجمهورية وفلسفة الدولة وصورتها المثالية التي تقوم على أساس التوزيع العادل للثروات والعمل حيث يقسم أفلاطون جمهوريته الى ثلاثة أقسام عمال وفلاحين وهي طبقة الصناع طبقة الجنود والمحاربين وطبقة الحكام، حيث تمثل هذه الطبقات المكونات الأساسية الثلاث للروح البشرية (العقل والروح والاستعداد) او العقل والشجاعة والحكمة، حيث يمثل طبقا للتقسيم الأفلاطوني التناغم بين الفضائل الثلاث او العلاقة الصحيحة بين الطبقات ويرى أفلاطون ان العدالة هى أعظم ثروة إنسانية والهدف الاسمي لحكم الدولة وحسب رؤية أرسطو الفلسفية للعدالة فان هناك عدالة توزيعية وهي التقسيم والعدالة التعويضية وهي المساواة بين الأفراد أمام القانون اذا ما التزم الجميع بما له وما عليه. الكتاب الذي صدر عن الهيئة المصرية للكتاب تناول رؤية العديد من الفلاسفة المعاصرين لمفهوم العدالة.