يفهم العالم أن تدخل واشنطن أولاً ثم الناتو بعد ذلك في ليبيا هو لحماية المدنيين من بطش قوات القذافي، ويفهم أن قتل المدنيين العزل مع سبق الإصرار والترصد هو بكل المقاييس جريمة في حق الإنسانية، لا ينبغي تمريرها بلا محاسبة وبلا عقاب، لاسيما عندما تستبقها تهديدات مباشرة كما هو الحال في التهديدات الإسرائيلية لقافلة (أسطول الحرية 2)، وحيث لم يعد خافيًا أن حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة تعدّ لمذبحة تستهدف أعضاء تلك القافلة التي تسعى لدخول قطاع غزة المحاصر. وتكمن المفارقة هنا في صدور تصريحات لوزير خارجية إسرائيل أفيجدور ليبرمان بأن أعضاء القافلة هم من يسعون الى إراقة الدماء. خطورة هذا التصريح تكمن في صدوره عن الرجل الذي يجلس في أعلى سلم التطرف في دولة عنصرية أقامت بنيانها على الإرهاب، وحيث لم يردعها ردود الفعل التركية والدولية على جريمتها الأولى التي ارتكبتها في حق (أسطول الحرية1) قبل عام وأدت إلى سقوط 9 من المدنيين الأتراك ممن كانوا على متن تلك القافلة التي كانت تحمل مواد إغاثة وأدوية ولعب أطفال لقطاع غزة المحاصر. وإذا كان فتح معبر رفح من قبل السلطات المصرية، واستئناف عملية البناء لما هدمته حرب غزة، يعتبر، كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا مؤشرًا على أن القطاع يشهد حركة انتعاش جديدة، فإن رحلة قافلة (الحرية 2) إلى القطاع تعتبر في الأول والأخير رمزًا لتعاطف نشطاء سلام عزّل جاءوا من كل جهات الأرض نصرة لقضية فلسطين العادلة وإنهاء الحصار الظالم على القطاع. محاولة الموساد الإسرائيلي عرقلة مسيرة قافلة الحرية الجديدة إلى قطاع غزة من خلال إتلاف سفينتين من سفن القافلة يعتبر عملاً إرهابيًا آخر، لكنه لم يثنِ أولئك المتعاطفين الذين ينتمون إلى جنسيات عدة عن المضي قدمًا في مهمتهم الإنسانية، لأنهم ببساطة أناس وهبتهم ضمائرهم الحيّة لأن يكونوا بمواجهة المشروع الصهيوني الذي هو في الواقع عنوان للكراهية والعنصرية والإرهاب، لذا فليس من المستغرب أن تقوم المؤسسات الصهيونية السياسية والعسكرية والإعلامية بحملة تضليل للرأي العام العالمي ضد هذا الأسطول على أنه يضم على متنه إرهابيين ومواد كيماوية، فيما أن الحقيقة تؤكد على أن رسالة تلك القافلة دعوة دولة الاحتلال إلى إنهاء حصارها للقطاع والكف عن تعذيب أهله وانتهاك حقوقهم الإنسانية.