التثبت أولاً يجب علينا أن نتثبت من الوقائع ونسبة الأقوال إلى أهلها لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، لأن في نسبة أي قول لأحد من المجتهدين بغير وجه حق يعد اعتداءً خاصاً عليه بتقويله ما لم يقل، واعتداءً عاماً على المجتمع بتضليلهم بقول قد يقلدونه ويعملون به وهو غير صحيح النسبة إلى العالم، ولذا فمن زعم أن فلاناً قال بإباحة الاختلاط - هكذا مطلقاً - فقد اعتدى عليه وعلى المجتمع، وحسبنا أننا في زمن ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات ولا يمكن أن يطول تضليل الناس بقول لم يقل به فلان، خصوصاً حينما يكون قد فصَّل في المسألة وبين حكم جميع حالاتها بما لا يبقى أي مبرر لاستمرار الزعم بقول يخالفه، فبمجرد ضغطة واحدة على لوحة المفاتيح على شبكة الإنترنت يظهر لك جميع ما كتبه فلان وليس ما كتب عنه، ولذا فلا تسمع عن فلان ولكن اسمع منه، ولا تقرأ عنه وإنما اقرأ له، ومن ثم حاسبه على ما نطقه لسانه أو كتبه بنانه وليس ما نسب إليه كذباً وزوراً، وقد سبق لي أن كتبت سلسلة مقالات بلغت أربع عشرة حلقة في مطلع هذا العام بجريدة الرياض بينت فيها حكم الاختلاط، وأصَّلت تحريم الاختلاط في التعليم والعمل، وبينت أن تحقيق الضوابط الشرعية واستيفاء الشروط وانتفاء الموانع غير ممكن فيهما، فالاختلاط فيهما محرم لما ذكرته وذكره كبار علمائنا السابقين واللاحقين، وقد سبق لي قبل عشر سنوات أن كتبت عن الاختلاط المحرم ولكن لا يعني حينها تحريمي للاختلاط المباح، وكذلك سبق لي قبل عشرين شهراً أن كتبت عن الاختلاط المباح ولكن لا يعني حينها إباحتي للاختلاط المحرم، وقد قلت وكتبت من قبل أن الاختلاط تدور عليه الأحكام التكليفية الخمسة، والخلط بينها ليست مسؤولية الكاتب والقائل وإنما القارئ والسامع، وأبرأ إلى الله أن أبيح ما حرم الله أو أحرم ما أباح الله ولا نرجو أحداً سوى الله. فتوى اللجنة صدر يوم الأحد الماضي الموافق 3/7/1432ه فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم (25146)، نصت على تحريم الاختلاط في التعليم والعمل، وذلك لعدة أدلة من الكتاب والسنة سيقت في نص الفتوى، لأن الشريعة جاءت لتحريم هذا النوع من الاختلاط، ولما يترتب على ذلك من آثار سيئة على الأسرة والمجتمع، وقد أعجبني ما تفضلت به اللجنة من توصيتها للجميع بتقوى الله - سبحانه وتعالى - والالتزام بأحكام شرعه رجالاً ونساءً طاعة لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد وقع على الفتوى جميع أعضائها السبعة وعلى رأسهم سماحة المفتي العام الوالد الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وأصحاب الفضيلة مشايخنا الدكتور صالح الفوزان والدكتور أحمد المباركي والدكتور عبدالله المطلق والدكتور عبدالكريم الخضير والشيخ محمد آل الشيخ والقاضي عبدالله بن خنين، فشكر الله لعلمائنا الربانيين فتواهم التي جاءت في وقتها ورفع الله بها الحرج وأبرأ بها الذمة في وقت يجب فيه الصدع بكلمة الحق لحراسة الفضيلة. لماذا التحريم ؟ لأنه يمتنع في حالتي التعليم والعمل استيفاء الضوابط الشرعية من حيث الالتزام بغض البصر من الفريقين: فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، لقوله تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن)، والالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم: الذي يغطي البدن، ولا يشف ولا يصف، لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن)، والالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال: في الكلام، بحيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، لقوله تعالى: (فلا تَخْضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا)، وفي المشي، لقوله تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن)، وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء)، وفي الحركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف ب»المائلات المميلات «، ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى، وأن تتجنب كل ما من شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال، والحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت: «إن ثالثهما الشيطان»، إذ لا يجوز أن يُخَلَّى بين النار والحطب، وأن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، ناهيك عن أن هناك بدائل وحلولا بلا حاجة لهذا الأمر. ونسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير ومغاليق للشر وأن يسخرنا لطاعته ومرضاته، وسبحانه الهادي إلى سواء السبيل. [email protected]