هل يمكن أن نكون وطنيين دون أن نعتدي على شيعة إيران بمثل وصفهم بكونهم مجوسا ؟! هل يمكن أن لا نُتهم بولائنا لمجرد أننا قد اقتنعنا بأن الاعتدال حتى مع طائفة غلب عليها التطرف والغلو هو الوسيلة الوحيدة للنصر ؛ لأن شرط النصر الإلهي هو أن يكون قائما على العدل ؟ هل يمكن أن نكون سلفيين دون أن نثير الطائفية ؟! هل يمكن أن ننتقد التطرف الواقع منا دون أن يمنع من قبول هذا النقد كون بعض الشيعة أشد تطرفا ؟! هذه أسئلة تفي بالجواب عن نفسها بنفسها ، وهي تبين المعضلة التي يصنعها المتطرفون. الذين يتوهمون أو يُوهمون أنه بغير تطرفهم لن تتحقق الوطنية ولا السُنية ، ويريدون التربّح من خلال شعار الوطنية والحمية السنية لأجل إشباع جشع عنصريتهم ولأجل إرضاء أهواء تطرفهم سيقول لي بعض أحبابنا : لماذا الحديث الآن عن الاعتدال مع كل تلك الحملة الشرسة من الصفويين ضد بلادنا وديننا ؟! هذا هو السؤال الذي سيقوله كثيرون ، وهو نفسه السؤال الذي جعلني أسأل أسئلتي السابقة : فهل نحن فعلا نتصور أننا لن نكون وطنيين إلا بمواجهة الظلم بالظلم ؟! هل نحن حقيقةً نعتقد أن الحق ضعيف فلا بد من تقويته بالباطل لكي ينتصر ؟! هل نسينا قول الله تعالى (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)) ؟! هل استبدلنا هذه الآية بقول الجاهلية: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق الجاهلينا وقد يسأل بعض أحبابنا : أين هو الظلم الذي وقع منا ضد الشيعة عموما ؟ وشيعة إيران على وجه الخصوص ؟! ولن أخوض في نقاش تفاصيل ذلك ، ولن أكون محاميا عن أحد، بإعانة أحبابنا على أنفسهم بترك الظلم في صورة واحدة ظاهرة ظهور الشمس ، وهي وصف شيعة إيران بأنهم مجوس ! أصبحت هذه العبارة تتردد كثيرا ، ومن جميع المستويات ، وصار يستغلها دعاة الطائفية ، وأُحيي من جديد ذِكر كتاب (وجاء دور المجوس) ، وصرنا كمن يظن أن أصوات الأبواق لا تُواجه إلا بأبواق أكبر. أحبابنا : هل إمامية إيران شيعةٌ أم مجوسٌ ؟! إن كان مقصود هذا الوصف أنهم كفار ، وبغض النظر (عما لا يُغض عنه النظر) من هذا الخطأ في التكفير الجُملي لآحاد الشيعة هناك، والذي يشملهم فردا فردا ، فلو افترضنا أنهم كذلك (وأستغفر الله من أن أقول ذلك) : فهذا أيضا لا يُجيز وصفهم أنهم مجوس ؛ ما داموا لا يدينون بدين المجوس . ولكي يتضح المقصود : لو قلت لليهودي (يا نصراني) لكان ذلك ظلما منك له لا يرتضيه الحق ولا هو ، ولو قلت للهندوسي (يا يهودي) لكان ذلك ظلما للحق وله . فلو كان شيعة إيران كفارا كما يدل عليه وصفهم بأنهم مجوس ، فلن يكون وصفهم بكونهم مجوسا وصفا صادقا ، بل هو وصف كاذب ؛ لأنهم (وبكل سهولة) ليسوا مجوسا . وتعالوا نناقش الموضوع بطولة بال وسعة صدر : ما دام شيعة إيران ليسوا مجوسا ، فلن يكونوا مثل المجوس تماما ؛ لأنهم (وبكل سهولة أيضا) ليسوا مجوسا. هذا كله إذا كنا عقلاء ولم نصل إلى حد ادعاء أن شيعة إيران مجوس فعلا، وأنهم يظهرون الرفض ويبطنون دين المجوس المحض. وهذا الحد من انعدام العقل صار من الممكن أن يكون مجالا للنقاش في ظل غياب العقل بسبب الخطاب الطائفي المقيت الذي لا ينصر حقا ولا يدفع باطلا ولا يرفع ظلما ولا يفيد في شيء ؛ إلا إذا رضينا من منطقتنا أن تصبح مارستانا للمجانين. ومع ذلك فسوف أناقش هذا الفساد العقلي الذي استشرى داؤه في سَكْرة الطائفية ، فأقول لأحبابنا : هَبُوا أن شيعة إيران مجوس فعلا ، وهم يتسترون بالمذهب الإمامي عن إظهار المجوسية ، وليس لدينا دليل قاطع (ولا غير قاطع عند العقلاء) على أن الشعب الإيراني أو حكومتهم وجنودها من الحرس الجمهوري وغيرهم يبطنون المجوسية ، فهل يجوز لنا شرعا إلا معاملتهم حسب الظاهر ؟! لقد كان عبدالله بن أبي بن سلول كافرا ، وأظهر الإسلام ، فعامله النبي صلى الله عليه وسلم هو ومن معه من المنافقين معاملة المسلمين ، ما داموا يُظهرون الإسلام . فهل يكون في هذا التعامل ما يكفي لإقناع الذين غيبوا عقولهم، لنقول لهم : عاملوا شيعة إيران أنهم أهل ضلال مبين، عاملوهم حسب فتواكم أنهم كفار ، لكن ليسوا مجوسا، لا شرعا ولا عقلا . فلا يجوز شرعا وصفهم بأنهم مجوس، حتى لو كانوا مجوسا من وراء ستار كبير !!! أو كان على عقولنا غشاء كثيف !!! والحق أن تطرف بعض شيعة إيران لم يقف عند الشيعية بل تجاوزها إلى العنصرية الفارسية والشعوبية ببغض العرب لدى شيعة إيران ، حتى تأذى منها شيعة العرب في العراق ولبنان قبل سنتهم . لكن هذا لا يجيز للمعتدل أيضا أن يصفهم بأنهم مجوس ، ولا تعييرهم بالفارسية، فذلك الوصف الكاذب والتعيير الجاهلي تطرف في الجانب الآخر. وهكذا يُفقد المتطرفون من الشيعة كل تعاطف مع عموم الشيعة ، وهكذا يفعل التطرف دائما ! وهكذا يغيب صوت المعتدلين من الشيعة، كما غاب صوت المعتدلين منا. وإلى أن يصبح لصوت الاعتدال فينا مكانٌ تصبحون على خير !!! • عضو مجلس الشورى السعودي.