أسماء محفوظ فتاة مصرية في السادسة والعشرين من عمرها، طالبة في جامعة خاصة، وعضو نشط في حركة 6 إبريل قررت أن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه مهما كان الثمن. لم تكن مثقفة تنويرية تفكر بتاريخ التنوير كله من أجل منصب وزاري لمدة سبعة أشهر كما فعل جابر عصفور. أسماء محفوظ طائر من طيور الحرية حطَّ على أكتاف نهر النيل، وتعلم من جريان النهر، وبراعم الشجر، وغناء الفلاحين أن الحرية قانون الوجود، لكنها منذ ست وعشرين سنة وهي داخل القفص. قررت أن تكسر الأغلال، وتقول: لا، للظلم، ولا للاستبداد. فانضمت لحركة ستة إبريل وأسست موقعا على الفيس بوك يدعو لمظاهرة سلميّة (جمعة الغضب) وقامت بتوزيع منشور دعوة المشاركة في الجامعات والشركات والطرق والقطارات، وانهال الشباب المصري من كل مكان يدعمون الفكرة، ويفتشون عن الحريّة. تحدت التحذيرات، والتحرشات، والتخويف والقمع، وقررت أن تنزل إلى ميدان التحرير، وأطلقت رسالتها عبر اليوتيوب لشباب مصر ليلة الرابع والعشرين من يناير تدعوهم للقاء غدا بميدان التحرير، وبدأ الشباب يتوافدون من كل أنحاء مصر حتى غص بهم ميدان التحرير، وانتشرت الشرارة لجميع مدن مصر وقراها، وكان ما كان. مصر تعد ثامن بلد في العالم في استخدام تقنية الرسائل القصيرة على تويتر وفيس بوك، وهو أمر لم يكن في حسابات السلطات الأمنية، وحين اكتشفت السر قررت قطع الإنترنت عن المتظاهرين، ولكن بعد فوات الأوان. وجاء قرار جوجل بإطلاق خدمة جديدة للمتظاهرين تساعدهم على بث الرسائل القصيرة على موقع تويتر دون الحاجة للإنترنت، ودخلت القنوات الفضائية ميدان التحرير، وسهلت للمتظاهرين التواصل ونشر المعلومة، وتهميش التلفزيون المصري الذي شهد هو ثورة مضادة من المذيعين والمحررين الذين رفضوا التزييف ونشر الأكاذيب فتخطفتهم القنوات التجارية. أمام هذا التدافع الحميم الذي أطلقت شرارته أسماء محفوظ وقفت السلطات الأمنية مذهولة مما يجري، وأمام الضغط الشعبي الرهيب بدأ النظام المصري يقدم تنازلاته ويعترف بالواقع الجديد الذي أشاد به العالم وأصبح ملهما للشعوب المقهورة كما قال الرئيس الأمريكي أوباما. قررت السلطة مواجهة الفيس بوك بالبعير والساطور، وصارت أضحوكة الشارع المصري قبل أن تكون مثار سخرية العالم، واعترف رئيس الوزراء بالفضيحة، وأعلن عن محاسبة مرتكبيها. لقد قلبت هذه الفتاة ومن معها تاريخ مصر الحديث، وسجلت أن الإرادة فوق تصنع القدرة، وأن مقولة أن الشعوب العربية خارج التاريخ لا وجود لها إلا في عقول المستعبدين. في الحوار الذي أجراه تلفزيون المحور بدت أسماء محفوظ فتاة تتوقد ذكاء وحماسا، وتمتلك رؤية واضحة للمستقبل، فحبها لبلدها هو الذي دفعها لمطالبتها بحقوق الشعب، بطريقة حضارية، وبأسلوب يكفله الدستور، وتؤكده شريعة السماء والمواثيق الدولية. الساطور والبعير والفيس بوك وتويتر في جمعة الغضب المصرية مشهدان من العصر يعبران عن موقف النظام الحاكم والمواطن العربي من الإنسان ومن الحياة ومن العصر. أسماء محفوظ في كل بيت عربي فهل يتعظ صاحب البعير والساطور، المستقبل كفيل بأن يكشف ذلك، ولو اتعظ الحاكم العربي بعربة محمد البوعزيزي، لما وجدت رسائل أسماء محفوظ. عاشت مصر حرة أبية، بأسماء محفوظ وإخوانها، ويسقط مثقف التنوير الذي يختتم تاريخه بأن يكون جنديا في معركة البعير والساطور. [email protected]