حدثني صديقي قائلاً إنه كان على متن إحدى الرحلات الداخلية لخطوطنا السعودية المحبوبة عندما نادى المضيف عبر المذياع الداخلي عما إذا كان يوجد طبيب في الطائرة.. تطوع صديقي للتعريف بنفسه فطلب منه المضيف اظهار ما يثبت أنه طبيب فأبرز له فوراً جواز سفره الذي كان يحمله معه بالصدفة وهو يوضح في خانة المهنة إنه طبيب.. توجه صديقي برفقة المضيف الى حيث كان يوجد أحد الركاب وهو يعاني من عارض صحي يحتاج معه إلى اسعاف عاجل.. طلب صديقي من المضيف أن يزوده بحقيبة الإسعاف الموجودة في الطائرة فاعتذر المضيف قائلاً إن التعليمات تفرض ألا تسلم الحقيبة إلا إلى طبيب معتمد في أحد المستشفيات السعودية وأن عليه أن يبرز بطاقة تعريف من المستشفى الذي يعمل به، قال له الطبيب إنه لا يعمل في مستشفى وأن هناك متسعاً من الوقت لاحقاً للتحقق من شخصيته وإنه لم يتطوع لهذه المهمة إلا بناء على نداء المضيف نفسه وإن المريض في حاجة إلى إسعاف فوري ولكن المضيف رفض كل ذلك وأصر على أن حقيبة الاسعاف تحمل من الدرر الثمينة ما يجعلها في حرز مكين تهون دونه أرواح الركاب، في اللحظة ذاتها تطوع للمساعدة طبيب آخر كان على متن الرحلة وكان يحمل معه حقيبته الطبية وباشر الطبيبان في مساعدة الراكب المريض تحت سمع المضيف ونظره دون أن يحرك ساكناً أو يعرقل سبيل الانقاذ طالما أن أحداً من الطبيبين لم يستعمل الحقيبة المقدسة!! الفصل الثاني من القصة هو أن صديقي الطبيب قد استوقف عند محطة الوصول وطلب منه تعبئة تقارير والاجابة على استفسارات لفترة قاربت ثلاثة أرباع الساعة ثم غادر مصحوباً بشكر العاملين في الخطوط واعتذارهم عن هذه الاجراءات المطولة التي تنص عليها « التعليمات «.. قال صديقي إنه قبل هذه الحادثة ببضعة أشهر كان على متن إحدى رحلات شركة طيران أجنبية عندما حدثت حالة مشابهة تطوع لاسعافها ولكن طاقم الطائرة كانوا قد تمكنوا من مساعدة الراكب وتزويده بأنبوبة أوكسجين لمساعدته على التنفس ومرت الحالة بسلام.. في محطة الوصول وجد الطبيب مسئولاً من العلاقات العامة ينتظره ليقدم له الشكر ويعرض عليه المساعدة في تخليص اجراءاته في المطار، وبعد أسابيع قليلة واذا به يتلقى رسالة شخصية موقعة من رئيس الشركة، مذيلة ببضع كلمات بخط يده يقدم له فيها الشكر على شهامته و» فزعته «. ذكرني تصرف مضيف الخطوط السعودية، وأرجو ألا يكون التصرف منسوباً الى الخطوط ذاتها، بالمثل الشعبي القائل « قال خذ خير.. قال ما عندي ماعون!! «.. تنادون الناس للتطوع ثم تمارسون معهم البيروقراطية في السماء على حساب صحة الراكب المريض وربما حياته!!