دأب البعض على محاولة إيجاد جذور إسلامية لمبدأ العصبية القبلية، متخذين من بعض الأحاديث النبوية الشريفة المقتطعة من سياقها العام، دليلا على صواب هذا الربط بين كل من الدين والثقافة القبلية. هؤلاء ركزوا على تلك الأحاديث وتجاهلوا القرآن الكريم، ثم تشبثوا ببعض الأقوال الواردة عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، وتناسوا سيرته الشريفة التي كانت مثالًا يحتذى في محاربة العصبية بأشكالها كافة. بالنسبة للقرآن الكريم، فقد تم تأسيس المواطنة بعد إقامة الدولة الإسلامية في المدينةالمنورة، على معيار واحد هو الإيمان. يقول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات. والإيمان قطعا ليس له علاقة بعرق أو لون أو حسب أو نسب. يقول تعالى: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) البقرة. وعلى صعيد السيرة النبوية الشريفة فقد قام رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام، بإقناع الحسيبة الشريفة ابنة عمته السيدة زينب بنت جحش بالزواج من المولى زيد بن حارثة. وهو ما تم فعلا، لكن الزواج انتهى بالطلاق لأسباب لا علاقة لها بمعايير الحسب والنسب والأصل والمنشأ. وعند قدومه صلى الله عليه وآله إلى المدينةالمنورة، تمكن الرسول الأكرم من إصلاح ذات البين بين قبيلتي الأوس والخزرج اللتين فتكت بهما الحروب قبل أن يهتديا إلى الإسلام. وبعد توحيد حيي المدينةالمنورة أمر الله جل وعلا رسوله بإقامة المؤاخاة بين عنصري الأمة الإسلامية في ذلك الوقت: المهاجرون والأنصار. ومن المعروف أن المهاجرين لم يكونوا ينتمون إلى قريش وحدها، فهناك الموالي العظام من أمثال بلال بن رباح وعمار بن ياسر وصهيب بن سنان، وهناك الأعراب من غير القرشيين من أمثال أبي ذر الغفاري رضي الله عنهم جميعا. كل هذه الدلائل تثبت بأن الإسلام لم يحتف بالعصبية القبلية ولم يسع حتى إلى التعايش معها، ولكنه حاربها بضراوة جاعلا من التقوى والعمل الصالح معيارا للتفاضل بين الناس، بعد أن كان المعيار الوحيد السائد في عصر الجاهلية يرتكز إلى الحسب والنسب والجنس واللون، وباقي العناصر التي لا تتعلق بعمل الشخص ولا تحسب حسابا لتقواه وورعه. الإسلام لا يمكن أن يشرعن العنصرية. [email protected]