الدكتور غسان السليمان خبير اقتصادي ومالي له تجربة واسعة في العمل الاقتصادي من خلال رئاسته لمجموعة من الشركات الكبيرة كذلك عمله في الشؤون التجارية كرئيس لمجلس إدارتها في هذا الحوار كشف السليمان عن قضايا مهمة بينما وجه نظره تجاه أبرز المشكلات الاقتصادية ويأتي في مقدمة هذه الموضوعات الساخنة مشروع تطوير وسط جدة بوصفه رئيس لمجلس إدارة شركة تطوير وسط جدة حيث أشارالسليمان إلى أن إستراتيجيتهم في لجنة تطوير مدينة جدة لا تقوم على أي تغيير في ملامح المنطقة التاريخية، موضحًا أنهم سعوا مع الأمانة لتسجيل هذا الموقع في قائمة اليونسكو، مؤكدًا أن الحرائق التي باتت تشهدها المنطقة التاريخية كانت مفتعلة لرغبة الملاك في الاستفادة من الأراضي في مجال الاستثمار العقاري وانتقد غسان السليمان تجربة شركات الوساطات المالية، مشيرًا إلى أن الأزمة المالية العالمية أسهمت بشكل كبير في توقف عدد من هذه الشركات عن العمل، مما دفع بالهيئة إلى سحب تراخيصها.. كذلك دافع السليمان عن تأييده السابق لفكرة دخول البنوك الأجنبية في المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن ذلك سيمنح المملكة فرصة للتنافس، بما يدفع البنوك إلى التخلي عن الحذر ودخول المخاطرة بتمويل المشاريع الصغيرة.. وحصر السليمان أثر الأزمة العالمية على المملكة في أمرين يتمثلان في عزوف البنوك عن الدخول في تمويل المشاريع الاستثمارية، مع اهتزاز ثقة المستثمرين وتوقفهم عن الدخول في مشروعات جديدة.. أما فيما يخص تجربة المؤسسات الصغير فيصفها السليمان ب»السيئة جدًّا» مؤكدًا أن بعض رجال الأعمال يتخذونها شعارًا ودعاية لمشاريعهم الخاصة، مشيرًا إلى أن القوانين المطروحة الآن تمثل عقبة كبيرة أمام نجاح هذه التجربة.. ..
* كيف تقرؤون تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية على اقتصاد المملكة المحلي؟ **أكبر تأثير نلمسه في المملكة هو أنه أصبح هناك تخوف من جانب البنوك من مشاريع الإقراض، التي أصبحت عازفة عن التمويل مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الأزمة الاقتصادية. التأثير الآخر هو عزوف المستثمرين؛ لأن كثيرًا منهم تأثروا تأثيرًا كبيرًا بالأزمة، وخسروا أموالاً كبيرة سواء كانت استثماراتهم داخلية أو إقليمية أو دولية، هذه الخسائر جعلتهم يتخوفون، ولا يمكن إرجاع الثقة إلا بعد فترة زمنية كافية ليتأكد هؤلاء أن الوضع الاقتصادي أصبح مستقرًا. هذان هما التأثيران الرئيسيان في التمويل سواء الذي يأتي من المستثمرين الرئيسيين أو من البنوك التجارية. ورغم ذلك يمكن القول أن المملكة ولله الحمد من أقل الدول تأثرًا بالأزمة الاقتصادية العالمية.
* نلاحظ أن التصريحات الرسمية أو الاقتصادية تركز على أن المملكة العربية السعودية لم تتأثر وأننا خارج هذه الدائرة ورأي آخر يقول إننا تأثرنا بمعدلات أقل.. إلى أي الكفتين تميل؟ **الكلام قد يبدو صحيحًا؛ ولكن إذا قمت بتحليله سترى الفرق. إذا تحدثنا عن المملكة بشموليتها سنجد أن حجم الاستثمارات والصرف الحكومي لم يتأثر بشكل كبير. لكن ما حدث هو أن استثمارات القطاع الخاص تراجعت. ما خفف من الوضع أن الإنفاق الحكومي زاد عن الفترة السابقة من ناحية مشاريع بنى تحتية أو إنشاء جامعات ومدن اقتصادية. إذا نظرنا إلى أكبر المشاريع التي يجري تنفيذها في المملكة سنجد أنها مشاريع حكومية. إذا حاولنا البحث عن مشاريع خاصة كبيرة خلال العامين الماضيين قد لا نجد مشاريع كبيرة بحجم المشاريع التي كان يعلن عنها في السابق. كل المشاريع الكبيرة في الفترة الأخيرة هي مشاريع حكومية. شركات متعثرة * كان لدى المملكة توجه نحو تشجيع تراخيص لشركات الوساطات المالية أو البنوك لتقوم بهذا الدور.. ربما ظهرت آثار الأزمة بصورة أكبر في هذا القطاع. بصفتك من المهتمين بهذا المجال كيف تقيم الأوضاع الراهنة؟ **سأتحدث عن المؤسسات المالية التي تدير أموالاً للآخرين. من أنشطة البنوك التجارية تلقي الودائع وهذه وضعها مستقر ولم تتأثر بشكل كبير. لكن المؤسسات المالية التابعة لهيئة سوق المال السعودية مثل الوساطات المالية فهذه تأثرت بشكل كبير داخل وخارج المملكة. أغلب المؤسسات المالية عالميًا من هذا النوع تعيش طور إعادة طرح استراتيجيات جديدة تتأقلم وتتواءم مع الوضع الحالي. الاستراتيجيات السابقة لم تعد تناسب الوضع الحالي لأن هناك إحجامًا كبيرًا من المستهلك عما كان عليه في السابق. هذه الشركات تعمل عندما تستقبل أموال المودعين وتقوم بتشغيلها واستثمارها مقابل حصة من العوائد. إذا لم يقم المستثمر بالاستثمار فلن تكون لديهم إمكانية لتحقيق الأرباح التي كانت في السابق. كثير منهم تعثرون، داخل وخارج المملكة، وهناك أسماء عالمية خارج المملكة اضطرت لإغلاق أبواب شركاتها والانزواء. إذا لاحظنا الشركات التي تزاول نشاطها داخل المملكة بعد أن نالت تراخيص هيئة السوق المالية سنجد أنه ليس كل هذه الشركات تمارس نشاطها، وأن عدد الشركات العاملة أقل بكثير مما نالت الترخيص. الهيئة تدخلت وقامت بإلغاء تراخيص بعض المؤسسات التي لم تمارس نشاطها. * لكن لدي معلومات تفيد بأن بعض هذه الشركات إما معلقة أو تم إغلاقها وأصبحت تفصل موظفيها؟ **هذا صحيح، ربما لا توجد إحصاءات دقيقة بعددها لكنها موجودة. كما تؤكد مصادرك هذه المعلومات فإنني أيضًا أؤكدها وهي لا زالت مجرد حبر على ورق بدون نشاط. هناك من قام بتقليص نشاطه وعرض الشركة للبيع، وكثير من المؤسسات المالية التي كانت تنمو وتزدهر قبل الأزمة المالية، وأيام الطفرة باتت واجه مشكلات كبيرة. لكني أقول إن هذه التقلبات في السوق ربما تكون صحية، وهي تقلبات نشهدها منذ تاريخ البشرية... مرونة مطلوبة * برأيك ما هو الحل لمثل هذه التقلبات التي تواجهها هذه الشركات في السوق؟ **المرونة من الميزات التي لا بد أن تتصف بها هذه الشركات، طالما أن السوق به تغير كبير، فعندما تكون هناك طفرة وأموال كثيرة تبحث عن استثمارات لابد أن يكون طرحي في موضوع معين، وعندما تكون هناك ندرة في الاستثمارات وأزمة لا بد أن يكون طرحي مغايرًا للوضع السابق ويتماشى مع الوضع. الشركات التي تتحلى بالمرونة وتستوعب التغيرات التي تحدث وتتغير بحيث تتأقلم مع الأوضاع السائدة هي الشركات التي ستنجح. هذا ليس سر النجاح الوحيد ولا بد من وجود الجودة في الطرح والأداء والإدارة الجيدة ... الخ. * هل نتوقع من حديثك أننا سنعود إلى أحضان البنوك لأن الهدف من إنشاء هذه الشركات المالية هو أن يكون نشاطًا مستقلاً بعيدًا عن البنوك، فهل ستعود البنوك لأداء هذه الأدوار بصورة منفردة كما كان في السابق؟ **أبدًا، شركات الوساطة المالية هي مكملة لعمل البنوك، وحديثك صحيح عن أن البنوك تمارس هذا النشاط وربما بصورة جيدة ويعطيها قدرة تنافسية جيدة للبنوك التي تمتلك شركات استثمارية أو شركات استثمارية، لكنهما يكملان بعضهما وليس بالضرورة إلغاء هذا أو ذاك؛ لأن هناك تكامل في الطرح. البنوك التجارية لها دور مختلف عن البنوك الاستثمارية. وضعية صعبة * كيف تقيم تجربتكم الشخصية في بنك فنشر كيبتال؟ **ساهمت في تأسيس خمسة بنوك أو مؤسسات مالية استثمارية. كلها في الفترة التي سبقت الأزمة المالية كانت تعمل بصورة جيدة والحمد لله. بنكان في المملكة واثنان في البحرين وآخر في الإمارات. كل هذه البنوك كانت تعمل بصورة متميزة في السابق، لكنها الآن تمر بوضعية أصعب مما كانت عليه في السابق. لكن لا أحد منها تعرض لخسائر. ربما تقلص الأرباح ولم تعد كما كانت عليه في الماضي. هناك صعوبات لا بد لهم من تجاوزها، لكن لا يوجد في مرحلة الخطر إلا بنك واحد من هذه الخمسة. * أنت من مؤيدي دخول البنوك الأجنبية للسوق السعودية.. فعلى أي شيء تستند في ذلك؟ **أنا من مؤيدي أن لا تكون هناك حماية كبيرة للقطاع البنكي. لا أطالب أن يكون السوق مفتوحًا بصورة تامة إنما يفتح بصورة أكبر مما هي عليه الآن. لدينا في المملكة حوالي اثني عشر بنكًا. إذا نظرنا إلى الدول المجاورة التي هي دوننا من حيث قوة الاقتصاد سنجد أن عدد البنوك لديهم أكبر بكثير مما لدينا. المنافسة في القطاع البنكي ربما تدفع البنوك إلى إقراض أكثر للمستثمرين. البنوك الآن لا يوجد ما يدفعها للمخاطرة بإقراض المؤسسات الصغيرة. لدينا أزمة حاليًا في ما يتعلق بهذه المؤسسات الصغيرة. هل هذه الأزمة بسبب البنوك؟ الإجابة هي لا. أعتقد أن القوانين هي العائق الأكبر في تمويل البنوك. البنوك مثلها مثل الشركات الكبرى وترى أنه ما دام بإمكانها النمو دون التعرض لمخاطر أكبر فما هو الداعي للمخاطرة؟ هذه البنوك تتلافى المخاطرة. لكن إذا زادت المنافسة ربما تتجه هذه البنوك لتقديم قروض بمخاطرة أكثر لأنه ستضيق عليهم السوق الآمنة لأن عدد المنافسين صار أكثر. فتح السوق سيوجد بنوك أكثر سواء كان محلية أو أجنبية وهذا سيضخ سيولة أكثر في السوق. عملية القوانين مهمة لأنها ستضمن وجود آلية سليمة لملاحقة من يمتنع عن السداد. هذا جزء مهم لزيادة السيولة في السوق. أرى أن العائق الأكبر هو عدم وجود هذه القوانين. * كثر الحديث إعلاميًا عن المؤسسات الصغيرة وأصبح كثير من رجال الأعمال يرفعون شعارات هذا الموضوع ربما بغرض التسويق لهم ولمشاريعهم الاستثمارية.. فكيف ترى تجربتنا في هذا المجال؟ **تجربة سيئة جدًا... * والسبب؟ **الكلام كثير ولكن لا توجد مبادرات تدعم هذه المنشآت. لدينا قوانين لا توفر أي دعم للمؤسسات الصغيرة إنما تعوق عملية تمويلها. إذا قمت بإجراء مسح على الطلاب في المرحلة الجامعية والذين على وشك التخرج وسألتهم عن خياراتهم في العمل فإن السواد الأعظم سيختار العمل في القطاع الحكومي، والخيار الثاني سيكون العمل موظفًا في قطاع خاص. نسبة ضئيلة ستختار البدء في أعمال خاصة. لا يوجد في تفكير الطالب السعودي الرغبة في أن يكون رجلاً عصاميًا يبدأ حياته من الصفر حتى ولو بمشروع صغير. إذا نظرنا إلى السابق في المنطقة ككل سنجد أن الذين بدءوا حياتهم من الصفر وافتتحوا متاجرًا صغيرة... نحت في الصخر * ولكن هؤلاء كانت ظروفهم تختلف عن الجيل الحالي، فالسابقون جاءوا مع بناء الدولة وتكوينها لأن الذين افتتحوا المتاجر الصغيرة قاموا بذلك مع بداية نشأة الدولة، ولكن الشباب ينكر على رجال الأعمال الكبار أنهم ليسوا عصاميون، وإنما مهدوا لهم الطريق بواسطة ذويهم.. ما هو رأيك؟ **هذا الحديث ليس صحيحًا، إذا نظرنا إلى أكثر رجال الأعمال البارزين في المملكة سنجد أنهم عصاميون، حتى ورثتهم ربما أخذوا القليل، لكنهم قاموا بتنميتها بجهودهم. أعتبر أن الوريث هو الذي ورث المال ولم يقم بتنميته. أما من ورث القليل وقام بتنميته أعتبره عصاميًا. من ابتدأ من لا شيء وقام ببناء صرح كبير فهذا عصامي. الراجحي والشيخ صالح كامل بدءوا من الصفر ولم يرثوا شيئًا. الأسماء الكبيرة كلها من العصاميين. أختلف مع الذين يقولون عكس ذلك، لكننا نحتاج إلى أعداد أكبر من هذه النوعية، ونحتاج إلى أعداد أكبر من ذلك بكثير. إذا نظرنا إلى نسبة العصاميين عندنا وقارناهم بقائمة أغنى 500 شخص في الولاياتالمتحدةالأمريكية سنجد أن 95% من هؤلاء عصاميين. لدينا نسبة من العصاميين لكنها ليست بنسبة أولئك الذين في أمريكا. نحتاج حقيقة إلى زيادة هذه النسبة. * هل أنت عصامي أم أن اسم السليمان ساعدك كثيرًا؟ **بطبيعة الحال أعتز كثيرًا بعائلتي واسمها الذي لا شك أنه ساعدني، فوالدي حي يرزق – أسأل الله له طول العمر – لذلك لم أرث منه شيئًا، ومن يعرفني يعلم أنني بدأت عملي بنفسي ولم أشتغل في مجال عمل العائلة. بعد تخرجي بدأت في العمل في مجال عائلي لمدة شهرين أو ثلاثة ومن ثم بدأت في الاستقلال بعملي الخاص وكافحت بشركة صغيرة جدًّا ليس بها سوى ثلاثة أو أربعة أشخاص، ومررت بإخفاقات كثيرة ونجاحات أيضًا، والحمد لله أن نجاحاتي كانت أكثر من إخفاقاتي. أهم صفة يجب توفرها في الرجل العصامي هي القدرة على الاستمرار والتعلم من الإخفاقات. مأزق الشركات العائلية * كيف ترى مستقبل الشركات العائلية ونحن في اتجاه قد يبدو مخالفًا لهذا النوع من الشركات؟ **التخوف من الشركات العائلية يكمن في أن الخلافات لا توجد في الجيل الأول من أصحاب هذه الشركات. بين الإخوة قد لا يوجد اختلاف لكن عندما تبدأ الأجيال اللاحقة ويكون الملاَّك أبناء عمومة تبدأ الخلافات في الظهور وتزداد الخلافات بحسب تقادم الأجيال. كلما زادت الأعداد كلما صعب الاتفاق. نصيحتي للشركات العائلية وأصحابها هو التحول للشركات المساهمة المغلقة. إذا جاء قرار بزيادة رأس المال وكان هناك (20) شريكًا موافقون على ذلك وشريك واحد معارض فبإمكان هذا الشريك أن يشلّ هذه العملية، حتى إذا كانت الأغلبية ساحقة فيمكن للقلة أن تقف ضد تطور الشركة. هذا مثال بسيط على ما يحدث. نظام الشركات المحدودة يعاد النظر فيه من قبل وزارة التجارة بحيث لا يكون القرار في شركات المسؤولية المحدودة بالإجماع. هذا الشرط كان له تأثير سلبي على الشركات العائلية لأن أغلبها ذات مسؤولية محدودة ويجعل العائلة كلها تحت رحمة شريك مساهم واحد. * لكن الاقتصاد المحلي قائم على عدد كبير من الشركات العائلية وهي التي تمثل نسبة كبيرة من الاقتصاد المحلي، ألا يؤثر انهيار هذه الشركات العائلية في الاقتصاد الوطني.. بمعنى هل أنت من المتخوفين من الوضع الراهن لهذه الشركات العائلية؟ مؤكد. لو نظرنا لأغلب الشركات العائلية ومتى كانت بدايتها سنجد أنها كانت في الطفرة الأولى خلال فترة السبعينات الميلادية. هذه الطفرة التي حدثت في عهد الملك فيصل كثير من الشركات نمت بشكل كبير. مرت فترة (40) عامًا على إنشاء معظم هذه الشركات، مما يعني وجود الجيل الثاني من الملاَّك في كثير من هذه الشركات، وبدأت هذه الشركات تفكك بسبب الخلافات التي ذكرتها لك سابقًا. التخوف قائم ونرى أن من يدير كثير من هذه الشركات ليسوا أبناء المؤسس وإنما أحفاده. نقلة نوعية * تواجه هيئة الاستثمار نقدًا مباشرًا في وسائل الإعلام.. فكيف ترى ذلك؟ **بالعكس أرى أن هناك إنجازات كبيرة في هيئة الاستثمار. لا أدعي أن كل مبادرة قاموا بها انتهت بالنجاح، سواء في إنشاء المدن الاقتصادية التي ينبغي أن تكون أفضل مما هي عليه. هناك إنجازات مؤكدة ومبادرات تتعلق بتذليل العوائق مثل برنامج (10) الخاص برفع تصنيف المملكة العربية السعودية من الناحية الاستثمارية وهذا إنجاز كبير حيث خرجنا من مرتبة (67) عالميًا إلى الدول العشر الأولى في هذا المجال. المملكة تعتبر الدولة العربية الأولى في هذا المجال. هناك نجاحات، وأعتبر أن هيئة الاستثمار حققت في فترة الدباغ نقلة نوعية كبيرة. * بخصوص المدن الاقتصادية هناك من يشكك في هذه المشاريع ويقول إن بها شيئًا من الخيال ولا أثر لها في أرض الواقع؟ **من سوء حظنا أن هذه المشاريع العملاقة تأثرت بصورة مباشرة بالأزمة المالية العالمية. المشاريع الضخمة التي كانت في دبي وبعض الدول المجاورة تعرضت لنفس الأمر، لذلك ليس مستغربًا أن يكون هناك تأثير سلبي قوي عل هذه المدن الاقتصادية. المشاكل التي تواجهها أغلبها متعلقة بالتمويل. لكني أوافقك في أن الطموحات التي وضعت لهذه المدن الاقتصادية عامة في بداية فترة التخطيط والطرح كانت طموحات كبيرة جعلت تطلعاتنا غير واقعية بناء عل الطرح التي سمعنا به. مدينة الملك عبدالله الاقتصادية التي طرحت سمعنا أنها سوف تستوعب مليون ونصف المليون نسمة. إذا قيل في الطرح إنها ستكون شبيهة بمدينة الجبيل الصناعية – التي لا أعتبرها أنجح مدينة صناعية في المملكة العربية السعودية فقط وإنما في الشرق الأوسط كله – بعد (35) سنة على إنشائها لا يزيد عدد سكانها عن 200 ألف نسمة. ربما إذا كان الطرح واقعيًا أكثر منذ البداية ربما تغيرت النظرة التشاؤمية التي ينظر بها كثير منا لهذه المدن الاقتصادية ولوجدنا أن الأهداف واقعية ويمكن تحقيقها. الآن لأن الأهداف كانت طموحة جدًّا وما أنجز مقارنة بالأهداف هو شيء بسيط فإن كثيرًا منا ينظر لهذه المدن بتشاؤم. لكني أقول إن هناك إخفاقات كما هو الحال في أي نشاط اقتصادي آخر، لكن كمبادرة هي مبادرة جيدة. مؤكد أن المسؤولين عن هذه المدن لو كانوا يعلمون بهذه التطورات كانوا سيقومون بعمل مختلف. لكن مبادرة المدن الاقتصادية هي مبادرة سليمة. إذا عرفنا كيفية التعلم من أخطائنا وقمنا بإنجاز أعمالنا بطريقة مختلفة سننجز عملاً عظيمًا. المدن الاقتصادية تقوم على فكرة تجمعات اقتصادية وهي فكرة ناجحة في كثير من مدن العالم والجبيل خير مثال على هذا. مدينة الملك عبدالله كان بها إضافة للمدينة الصناعية فكرة إنشاء مركز مالي ومركز خدمات وغيره. الفكرة تقوم على تجميع كل هذه الأنشطة الاقتصادية في مكان واحد والفكرة سليمة. إذا جمعت هذه الأنشطة مع بنى تحتية مناسبة وقوانين مشجعة تكون لديك تركيبة ناجحة. آلية بيع الرهونات * نسمع عن نظام الرهن العقاري منذ سنوات ولا نرى له أثرًا.. فما أسباب تأخر ظهوره من وجهة نظرك؟ **كما ذكرت لنا سنوات طويلة نتحدث عن هذا القانون ولم نكن لنتحدث عنه لو لم يكن شيئًا هامًا. لكنه ليس الحل السحري. حتى لو وجد هذا القانون فإن هناك أشياء لا بد من توفرها حتى ينجح هذا القانون. لا بد من وجود آلية لبيع هذه الرهونات. إذا لم توجد هذه السوق الثانوية للمتاجرة بهذه الرهونات لن يكون هناك تمويل لتغطية الحاجة في المملكة العربية السعودية للرهن والتمويل العقاري. هذا القانون هو جزء مهم جدًّا من منظومة لاستكمال التمويل العقاري، لكنه لن يحل المشكلة لوحده. * أنت رئيس مجلس إدارة الشركة المكلفة بمشروع تطوير جدة وهو مشروع استثماري وجوهري للمدينة لكن لم نسمع شيئًا إيجابيًا في هذا الصدد.. هلا حدثتنا عن هذا المشروع؟ في البداية لا بد أن نتحدث عن المشاريع التي يجري في تنفيذها في جدة بشكل عام. عندما كان المهندس عادل فقيه هو أمين جدة فإن خلفيته من القطاع الخاص وهو من ألمع الشخصيات في القطاع الخاص السعودي قبل التحاقه بالقطاع الحكومي فأراد أن يلتحق القطاع الخاص بالتطوير في جدة على غرار ما هو عليه في كثير من دول العالم أو المدن الأخرى التي سبقتنا داخل المملكة، مشروع الشامية في مكةالمكرمة هو مشاركة بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي. هناك مشاريع خاصة في بعض المدن الأخرى شهدت تعاونًا بين القطاعين. كانت هناك ثلاثة مشاريع في جدة مشاركة بين القطاعين العام والخاص مثل مشروع خزام ومشروع الرويس ومشروع تطوير وسط جدة. نحن مسؤولون عن مشروع تطوير وسط جدة لكن هناك اختلاف بين مشروعنا ومشروعي خزام والرويس لأنهما مبنيان على مناطق عشوائية. مشروعنا لا توجد به سوى منطقة صغيرة على منطقة عشوائية وهو المنطقة التاريخية. باقي المنطقة ليست بها عشوائيات. طرحنا يخلف عن طرح خزام والرويس لأنهما مبنيان على تثمين الأراضي ونزع ملكيتها ومن ثم إعادة تطويرها. هناك آلية لاستبدال من يرغب في البقاء وعدم الانتقال إلى منطقة أخرى بتعويضه بسكن بديل. الأمانة عملت في هذا الخصوص معنا. وضعنا مختلف جدًّا لأنه قائم على التراضي وليس لدينا نزع للملكيات إلا في نطاق محدود جدًّا يمكن أن يكون داخل المنطقة التاريخية أما خارجها فلا. المنطقة التاريخية لا تمثل سوى 13% من حجم المشروع كمساحة. السواد الأعظم من مشروعنا لا ينطبق عليه قانون العشوائيات. إذا كنت صاحب ملك أو عقار نأتي إليك ونطرح عليك طرحنا لتحسين وضع أرضك وعقارك وحتى نستطيع تأمين ذلك الوضع لا بد من استبدال عقاره بأسهم في الشركة سواء عن طريق قطعته أو تقديم خدمات له. * هل يظل العقار باسم مالكه وتقومون أنتم بتطويره له؟ **هذا أحد الخيارات المطروحة أمامنا، ويمكن أن يستمر المالك في ملكية أرضه وتكون هناك مشاركة بيننا في ذلك لكن غالبية الملكية تظل له. دراسات استشارية * إلى أين وصلتم في مراحل التنفيذ؟ **العقد الأخير الذي وقعناه كان في مايو 2010م. الطرح الذي قدمناه يخلف عن ذلك الذي في خزام، لذلك عندما يطلع الناس على الذي جرى في خزام والرويس يعتقدون أن مشروعنا مماثل. العقد الذي تم توقيعه قبل عدة سنوات كان عقدًا استشاريًا. صارت هناك منافسة بين (11) شركة وكانت شروط المشروع تقتضي تقديم دراسات استشارية وتبيين نوع العمل التجاري الذي يمكن أن يحقق الأهداف التي وضعتها الأمانة لتطوير المنطقة. الفترة الأولى من المشروع كانت فترة الاستشارات. عندما تقدمنا بعرضنا وتناقشنا حوله مع الأمانة واقتنعت بالفكرة تحول العقد إلى عقد تطوير تم توقيعه في مايو من العام الماضي. * البعض يبدو قلقه من تغيير معالم المنطقة التاريخية بجدة التي تكتسبها أهمية حضارية وقيمة الثقافية؟ **سأرجع خطوة إلى الوراء في الأول. في عملنا قمنا بتقسيم المشروع إلى عدة مناطق إحداها المنطقة التاريخية. هناك ست إلى سبع شركات في هذا المشروع ستخصص إحداها للمنطقة التاريخية، وستكون أول الشركات التي تنطلق. قمنا بتأسيس مجلس إدارة للشركة في انتظار بعض الموافقات التي تأتي من الجهات الحكومية المعنية وسننطلق بعدها لأننا حددنا المناطق التي سننطلق منها. الخوف الذي ذكرته من تغيير الملامح هو أبعد ما يكون عن توجهنا لعدة أسباب أولها أن إستراتيجيتنا لا تقر ذلك بل بالعكس، فمن أهدافنا الرئيسية المحافظة بقدر الإمكان على المباني التاريخية التي نرى أنها إرث مهم للمدينة ولا نرغب في تبديده. كذلك نعمل مع هيئة السياحة والأمارة والأمانة على تسجيل موقع جدة التاريخي في اليونسكو وتم تقديم الملف بالفعل. بعد أن بذلنا كقطاع خاص وشركة مطورة جهودًا كبيرة في استكمال هذا الملف. متى ما تم تسجيل المنطقة التاريخية كجزء من المناطق الأثرية لليونسكو فإن حماية المناطق التاريخية ستكون أكثر مما هي عليه. إذا كنا نرى أن هناك حماية للمناطق التاريخية فإن هذه الحماية سوف تزداد، والشروط والقوانين التي تحمي المناطق التاريخية بعد تسجيلها على غرار ما تم في الدرعية ومدائن صالح. تخصصات مختلفة * ألا توافقني أن مثل هذه المشاريع تحتاج إلى خبرات سياحية ذات اهتمام ثقافي أكثر من حاجتها لخبرات عقارية فقط.. فهل لديكم قدرات في هذا المجال؟ حديثك صحيح 100%. شركة جدة التاريخية ستكون شركة قابضة توجد تحتها عدة شركات متخصصة في مجالات معينة مثل شركة التجزئة وهناك شركة متخصصة في الفنادق وأخرى متخصصة في الفعاليات. تطوير المنطقة التاريخية ليس مبادرة واحدة بل تحتاج إلى عدة مبادرات. سنأتي بأهل الاختصاص في الشركة التي تحتوي على المبادرة التي ستكون لهم فيها إضافة بحسب قدراتهم واختصاصاتهم. * كيف ستتجاوزون عقبات الممانعة التي قد تعترض سبيلكم من أهل العقارات؟ * هناك من يريد مبالغ غير التي تعطونها إياه أو يختلف معكم في تقدير قيمة العقارات؟ **نحن لا نفترض أن كل صاحب ملك داخل وخارج المنطقة التاريخية سيتفقون معنا، بل بالعكس نعتقد أن نسبة كبيرة منهم سيبحثون عن حلول أخرى. لا نريد أي صاحب ملك متآكل ويكون المبنى غير سليم من ناحية أمنية أو معرض للانهيار فإن الشرط الوحيد الذي نضعه هو ألا يكون المبنى بحالة سيئة، لأن ذلك يمثل خطرًا على المارة والجيران ويشوه المنطقة التاريخية. آلية المعالجة بها عدة خيارات ويمكنه أن يعالج الوضع بنفسه أو يستثمر في المبنى ويطوره ويأتي بمستثمر خارجي أو يتفاعل معنا بعدة طروحات منها إيجار طويل الأمد أو شراكة. المصلحة العامة هي أننا لا نريد للعقارات التاريخية أو غير التاريخية بالمنطقة أن يكون وضعها سيئًا وخطرًا على من يزور المنطقة التاريخية وخطر على جيرانه، وقد رأيتم الحرائق التي وقعت والانهيارات التي حدث. تأثير هذه المباني ليس على مواقعها فقط وإنما على الجيران أيضًا. الحريق الأخير وقع في مبنى واحد وامتد إلى سبعة مباني. حرائق مفتعلة * هناك من يرى أن هذه الحرائق مفتعلة حتى تحول المنطقة إلى عقار محض؟ **ربما كان بعضها مفتعلاً، وأنا على ثقة أن كثيرًا منها كان مفتعلاً... * ما هي أسباب ذلك؟ **لأن بعض المُلاَّك يعتقدون أنه إذا أزيل المبنى بطريقة أو بأخرى ربما يكون لهم حق التصرف في الأرض لبناء مباني مكانها. المباني التاريخية ليست لها عائدات اقتصادية في ظل الوضع الحالي. هذه المباني قد تكون عبء على المالك نفسه. عندما ينظر المالك نظرة اقتصادية إلى عقاره يجد أن من الأفضل له أن يقوم بهدم المبنى وتشييد مبنى مكانه ليحقق له عائدات أفضل. القوانين الجديدة التي تتم سنها قبل فترة فإنه حتى لو تم هدم المبنى فلن تقوم البلدية بمنحه صاحبه رخصة بناء لتطوير مبنى جديد ولا بد من إعادة المبنى بنفس طريقته السابقة. * هناك قضايا ترفع في ديوان المظالم ضد هذه المشاريع سواء في وسط جدة أو خزام أو الرويس.. كيف تتعاملون مع هذا الوضع؟ **في وسط جدة كما ذكرت لك فإن آلية عملنا هي التراضي. أغلب المشروع عدا المنطقة التاريخية هو بالتراضي لذلك لا توجد لدينا هذه الإشكالية. لكن إذا تحدثنا عن هذه المشاريع التي بها نزع للملكيات أو رفع للقضايا فلا بد للجهة المسؤولة وهي الحكومة أن تبحث عن المصلحة العامة. المصلحة العامة لا بد أن تغلب على مصلحة الفرد. * هناك اتهام لرجال الأعمال بوجود مجموعة محتكرة لمجالس إدارات معظم الشركات؟ الأمر ليس احتكارًا ولكن الشركات الآن سعى وراء الأفضل ليكون في مجلس إدارتها ولكن لا يمكن أن نغفل أن أصحاب الأسهم الكبيرة في الشركات لهم نفوذ ومن حق هؤلاء أن يكون لهم ممثلون. عندما توجد أسماء معينة من أصحاب الأسهم الكبيرة في نفس الشركات فإنه من المؤكد أن نفس الممثلين سيكونون موجودين ومن البديهي أن يكون لهم تأثير في القرار. هذا هو السبب في تكرار الوجوه.. لكن التفكير يتغير وهناك تغيير متوقع بالأنظمة وفق الدراسة التي تتم حاليًا مما سيفرض على الشركات تعيين أعضاء مجلس الإدارة المستقلين. متى ما صدر هذا القرار فإن نسبة من أعضاء مجلس الإدارة لا بد أن يكونون من هذه النوعية التي ليست لها علاقة بهذه الوجوه وربما لا تكون لها أسهم في هذه الشركات.