تلك العبارات التي تصنف أطياف المجتمع السعودي والذين ينتمون لأرض واحدة وتظلهم سماء واحدة ويأكلون من رزق واحد ويحكمهم قائد واحد ومصير واحد يربطهم رباط الدين أولًا ثم الوطن حقًا إنها دعوى جاهلية منتنة، فأي جاهلية تلك التي ينادي بها ناقصو العقول بتصنيف أبناء الوطن إلى أناس ينتمون إلى قبائل وآخرين يصنفون بأنهم بقايا حجاج وآخرون يعتنقون المذهب السني أو الشيعي، أو من يقولون فيما بينهم أنتم لستم من أهل البلد -ويا للعجب- وأنهم هم أهل البلد والأولى والأجدر بهذه الأرض في منطقة معينة، وأنتم دخلاء علينا، لا حق لكم يذكر في أرضنا أو رزقنا أو وظائف حتى يصل الأمر أقصى مدى في حال الترقي الوظيفي فلا يكون وفق الاستحقاق والمنجزات التي حققها الموظف بل وفق أهواء شخصية ثم يقال هي حق لأبناء وبنات البلد!! رحماك ربي من هذه العقول وطريقة تفكيرها والتي لابد أن يؤخذ على يدها، وكف أذاها عن أبناء الوطن الواحد، إنه الجهل والجاهلية حتى ممن تعلَّموا وارتقوا أعلى المناصب القيادية في كل دائرة حكومية. كنت في صغري عندما أسمع هذه التصنيفات وخاصة بقايا حجاج، كنت أرد بكل فخر نعم نحن كذلك، وقد اختارنا الله من بين خلقه لنجاور الحرمين، وننال شرف الجوار للحرم المكي والمدني، وما أروعها من جيرة للحرم الآمن. ولكن اليوم بعد نضج فكري ودراسة لأبعاد هذه التصنيفات أقول كفانا تشرذمًا وتفككًا، فهذا ليس من مصلحة الوطن، ولا داعي أن ننتقص من حق أحد في انتمائه لهذه الأرض، بعيدًا عن الغمز واللمز والتنابز بالألقاب، فالوطن يريد منّا وحدة حقيقية، ولا يريد تصنيفات تضعف وحدتنا، يريد منّا مشاركة حقيقية قوية لدفع عجلة التنمية بقلب رجل واحد، وإحساس عالٍ بالمسؤولية وعظمها، إنها أمانة لا يعلم قدرها وعظمتها إلا ذوي الألباب. ولقد أحسن صنعًا القائمون على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عندما اختاروا موضوع الخطاب الثقافي الذي سيُعقد خلال الأيام المقبلة في جدة عن (القبائلية والمناطقية والتصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية)، لعلنا نستطيع بعد أن تم لنا تشخيص واقعنا الذي نعيش فيه نجد حلولًا عملية على طاولة الحوار الوطني، لوقف هذه الأفكار من أجل تحقيق الهدف الأسمى في زيادة وتعميق أواصر الترابط والتراحم بين أفراد المجتمع، بعيدًا عن إثارة العصبية الجاهلية، ونتبع المنهج النبوي الذي حذرنا من ذلك التعصب، فقال: دعوها إنها منتنة. دعوة من القلب للمتحاورين على طاولة الحوار الوطني، أنتم تمثلون جميع أطياف المجتمع، أوصلوا أصوات المتضررين من أبناء الوطن من هذه الدعاوى الجاهلية، فهناك ظلم قد وقع عليهم، وإجحاف بحقوقهم من قبل أبناء جلدتهم بدعوى المناطقية والقبائلية والتصنيفات الفكرية، فالظلم والإحساس بالقهر وقلة الحيلة أمر مرير، وهذا والله لا يرضي ولاة الأمر. اللهم ألهمنا رشدنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا تُسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يخشاك اللهم آمين. [email protected]