لقد استوقفتني بعض مداخلات القراء الأعزاء على مقالي “زواج المسيار” الذي نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 14/9/ 2010م، وأستأذنكم في الرد على ما جاء في هذه المداخلات، فمع احترامي وتقديري لآراء هؤلاء القراء، أقول إنَّ بعض القراء كتبوا مداخلاتهم دون أن يكملوا قراءة المقال، كالمداخلة رقم (8) التي جاء فيها “شرعًا لا يستطيع لا الكاتبة ولا أي أحد أن يقول إنّ المسيار زواج باطل ارجعوا لكلام الشيخ ابن باز وانظروا إلى فتواه وشروط المسيار واتحدى واحدًا يقول فيكم إنّه عيب ولا عار ولا امتهان للمرأة عجيب هل أصبحت المرأة التي تريد عفة نفسها أنّه امتهان لها؟؟”. واضح من هذا القول أنَّ القارئ الكريم لم يقرأ ما كتبته في نهاية المقال، وهو وممَّا يؤكد حرمة هذا الزواج تراجع كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عن إباحتهم لهذا الزواج، وهم أصحاب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله مفتي المملكة العربية السعودية وفضيلة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية (حاليًا) وفضيلة الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء، والمستشار بالديوان الملكي عن إباحتهم لهذا الزواج لثبوت وقوع الضرر والمفاسد، وتحريم المجمع نفسه لهذا الزواج في دورته التي عقدت عام 1422ه. فالقارئ يستشهد بمشروعية زواج المسيار بإباحة الشيخ بن باز -رحمه الله- لهذا الزواج، ومع أنّني ذكرت أنَّه تراجع عن ذلك، والحقيقة لطول المقال لم أورد نص هذا التراجع، فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن زواج المسيار، وهذا الزواج هو أن يتزوج الرجل ثانية أو ثالثة أو رابعة، وهذه الزوجة يكون عندها ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتها، فيذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما، فما حكم الشريعة في مثل هذا الزواج؟ فأجاب رحمه الله: لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعًا، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد، وسلامة الزوجين من الموانع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها، أو على أن القسم يكون لها نهارًا لا ليلًا، أو في أيام معينة، أو ليال معينة: فلا بأس بذلك، بشرط إعلان النكاح، وعدم إخفائه” [فتاوى علماء البلد الحرام” ص 450 -451] وقد نقل بعض تلامذة الشيخ رحمه الله أنه توقف عن القول بإباحته آخر أمره، لكن لم نجد شيئًا مكتوبًا حتى نوثقه، وقد سئل سماحته: ما الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي؟ وما الشروط الواجب توافرها لزواج المسيار؟ جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب سماحته: “الواجب على كل مسلم أن يتزوج الزواج الشرعي، وأن يحذر ما يخالف ذلك سواء سمي زواج مسيار، أو غير ذلك، ومن شرط الزواج الشرعي الإعلان، فإذا كتمه الزوجان لم يصح؛ لأنه -والحال ما ذكر- أشبه بالزنا”. [نشر في (مجلة الدعوة)، العدد: 1693، في 12/2/1420. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد العشرون، وفي الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز]. وقد ذكر القارئ الكريم أنّ هذا الزواج فيه عفة للمرأة وكيف يعد ذلك امتهانًا، وهنا أرد عليه بمقولة لإحدى زوجات المسيار قالتها لي: حتى الإحصان لا يتحقق في هذا الزواج، لأنَّ الزوج يأتيني عندما هو يريد إشباع غريزته، وعندما طلّقني، طلب مني إقامة علاقة غير شرعية معه، فقد اعتبرني امرأة فراش، فأنا امتهنتُ نفسي بقبولي هذا الزواج. أما قول القارئ الكريم “وأتمنى من الكاتبة أن تذهب وتقرأ شروط الزواج، أو أركان الزواج، وتذهب لتقارن فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله، مع شروطه وأركانه أفضل لها قبل أن تبدأ بالكتابة بموضوع فيه مغالطات شرعية”. وأقول هنا: نلاحظ من مقولة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله لم يشر إلى تنازل المرأة عن حق النفقة، مشترطًا إعلان زواج المسيار، ولكن زواج المسيار في الغالب يقوم على الكتمان والسرية، بل في الغالب يكون غير موثق رسميًا، وهذا أدى إلى وجود حالات تعدد أزواج المسيار للزوجة الواحدة في وقت واحد، ممَّا دفع فضيلة الشيخ عبدالله المنيع إلى تراجعه عن إباحته له، وما دامت المرأة أقدمت على الجمع بين أكثر من زواج في آن واحد، ولا يستبعد أن يجمع الرجل أكثر من أربع زوجات في آن واحد. ولعل مقولة سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في لقائه الأسبوعي في القناة السعودية يوم (الجمعة) الموافق 19/6/1430ه / 12 يونيه 2009م ونشرته جريدة الحياة في 21/6/1430ه / 14 /6/2009م يؤكد ما قلته؛ إذ قال سماحته “إنّ زواجيْ المسيار والمسفار من أجل قضاء وطر لا أكثر ولا أقل، ولا يحققان الحكمة التي أرادها الله من الزواج، وهي السكن في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)”. فأين هي المغالطات الشرعية التي وقعت فيها؟ هل لقولي: إنّ زواج المسيار لا تنطبق عليه أركان الزواج الواردة في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) فالحياة الزوجية تقوم على هذه الأسس والأركان، وهي السكن والمودة والرحمة، وإذا لم نعتبرها أسسًا وأركانًا تحولت الحياة الزوجية إلى جحيم، والأزواج الذين يمارسون العنف ضد زوجاتهم هم الذين يستبعدون هذه الأركان والأسس من الزواج، وسماحة المفتي اعتبر زواج المسيار والمسفار لقضاء الوطر لا يحقق السكن، وهو الحكمة من الزواج. وقال القارئ الكريم في مداخلته: “أقول لو أختي امرأة كبيرة مطلقة ولديها قدرة مادية وأتاها رجل صاحب خلق وأدب واحترام وطبق شروط المسيار ما عندي مانع أبدًا أن يأتي ويتزوجها مسيار”. وأقول هنا لماذا قال أخته، ولم يقل ابنته؟ فالذي يرضاه لأخته لا يرضاه لابنته، سئل أحد الذين أباحوا المسيار أترضاه لبناتك: فأجاب “لا” ونلاحظ قول القارئ “لديها قدرة مالية” وهذا يعني أنَّه زواج الثريات، أمَّا الفقيرات فلا يُنظر إليهن في هذا الزواج، فكيف يقال إنه حل للعنوسة، وأنَه شرع الله؟ أمَّا المداخلة رقم (15) فقد جاء فيها: “ما حلوه العلماء عبثًا ولا لأهوائهم أبدًا ولكن لحكمة ووفق الشريعة السمحة ولو كان حراما لما حللوه أبدا؟”. وأقول هنا: لعل قوليْ سماحة الشيخين ابن باز وآل الشيخ تؤكدان حرمة هذا الزواج، ولقد حرَّمه المجمع الفقهي بمكة المكرمة في دورته سنة 1422ه كما حرّمه كثير من العلماء منهم فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، والشيخ عبدالعزيز المسند رحمه الله المستشار بوزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية والداعية المعروف، حمل عليه بشدة، فيقول: “زواج المسيار ضحكة ولعبة.. فزواج المسيار لا حقيقة له، وزواج المسيار هو إهانة للمرأة، ولعب بها..، فلو أبيح أو وجد زواج المسيار لكان للفاسق أن يلعب على اثنتين وثلات وأربع وخمس.. وهو وسيلة من وسائل الفساد للفساق... وأستطيع أن أقول: “إن الرجال الجبناء هم الذين يتنطعون الآن بزواج المسيار”. أمَّا الدكتور عجيل جاسم النشمي، عميد كلية الشريعة بالكويت سابقًا، يرى أنّ زواج المسيار عقد باطل وإن لم يكن باطلًا فهو عقد فاسد”. واستدل بستة أدلة على بطلانه، ثم قال: “إنّ هذا الزواج يشبه زواج المحلل وزواج المتعة من حيث الصحة شكلًا، والحرمة شرعًا”. والدكتور محمد عبدالغفار الشريف، عميد كلية الشريعة بالكويت، يقول: “زواج المسيار بدعة جديدة، ابتدعها بعض ضعاف النفوس، الذين يريدون أن يتحللوا من كل مسؤوليات الأسرة، ومقتضيات الحياة الزوجية، فالزواج عندهم ليس إلا قضاء الحاجة الجنسية، ولكن تحت مظلة شرعية ظاهريًا، فهذا لا يجوز عندي -والله أعلم- وإن عقد على صورة مشروعة” واستدل على رأيه هذا بأمور منها: أن هذا الزواج يتنافى ومقاصد الزواج، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم:21). وتساءل: فأين السكن بالنسبة للمرأة القلقة، التي لا تعلم متى سيطلقها هذا الزوج بعد قضاء شهواته ونزواته معها؟ علاوة على ما فيه من سرية -تعود بالبطلان على العقد عند بعض الفقهاء- وهذه السرية تضع الإنسان في موضع ريبة. أما فضيلة الدكتور محمد الراوي- عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، فيقول: “المسيار هذا.. ليس من الزواج في شيء!! لأن الزواج: السكن، والمودة، والرحمة، تقوم به الأسرة، ويحفظ به العرض، وتصان به الحقوق والواجبات”. وأقول لو كان هذا الزواج شرع الله هل يجرؤ هؤلاء العلماء الأجلاء على وصفه بهذه الصفات؟؟ [email protected]