* كان مساء الاثنين الماضي مساء استثنائياً لي حينما كنت ضمن نخبة من وجهاء وأعيان ومثقفي مدينة جدة من رواد خميسية الأستاذ الفاضل محمد عمر العامودي في زيارة ل»دارة صفية بن زقر»، فعلى مدى أكثر من ساعتين من الزمن شعرت وكأني في مبنى الأرميتاج أحد أرقى وأفخم متاحف العالم والموجود كما يعرف كثيرون في مدينة سانت بطرسبرغ العاصمة الإمبراطورية لروسيا وإحدى أجمل مدن العالم في مخزونها الفني بكل تشكلاته. * دارة صفية بن زقر عبارة عن متحف للأعمال الفنية والخاصة بالفنانة المبدعة الأستاذة صفية بن زقر، والمتحف هو بحق متحف بكل معاني الكلمة من رمزية وقيمة، بناؤه تحفة معمارية فريدة موقعه في أحد أهم تقاطعات طرق مدينة جدة حيث يقع في غرب تقاطع طريق المدينة النازل مع طريق الملك عبدالله، وغني عن القول أن موقعاً كهذا في حسابات أهل المال والأعمال والعقاريين لا يقدر بثمن. * الإبداع الفني الراقي الذي تتميز به أعمال الفنانة السيدة صفية بن زقر تزامن معه إيثار لقيمة المساهمة الحضارية في تأسيس متحف يكون واجهة حضارية مشرقة للمجتمع السعودي بغض النظر عن القيمة المادية وعدد الأصفار اليمنى لقيمة الأرض التي أقيمت عليها الدار، وهنا وكما أؤمن تظهر الفروقات بين النفوس الكبيرة الآسرة وبين الذوات المادية التي تُقزم ذاتها لمطاردتها المال وجعله معيارها لكل شيء. * قاعات المتحف (الدارة) التي تتوزع على طابقين ومساحة تبلغ أكثر من (3000) متر مربع، تاريخ فني رفيع ليس فقط لعادات وتقاليد اجتماعية لمنطقة مكةالمكرمة على وجه الخصوص وبعض مناطق المملكة الأخرى كما في نجد وعسير بل تاريخ للحراك الاجتماعي والاقتصادي والبشري السعودي في كل تنوعاته وتفاصيله، وهو ما يعطيها بعداً معرفياً وثقافياً كبيراً. * وأنا أتجول مع النخبة العزيزة سرحت إلى عوالم ذكرتني جداً بالقيم الحضارية الحقيقية للمجتمع الإنساني المتفاعل، فإن كانت المجتمعات الإنسانية المعاصرة المتقدمة تتباهى بتاريخها الفني والتراثي والاجتماعي فنحن وبحمد الله لا نقل عن أي منها في الرسوخ التاريخي لعادات وتقاليد وفنون وتراث وهو ما نقلته بطريقة إبداعية راقية السيدة صفية بن زقر سواء في لوحاتها الأخاذة أو في معروضاتها من ملابس وأوانٍ وسجاد وكتب وصور وآثار لا تقدر بثمن. * الدارة في معناها العام بما تضمه من أعمال فنية ومعروضات تراثية وقاعات وما تقوم به من إقامة مسابقات للصغار والناشئة من مثل (المحراب) و(الرداء) لتنمية مواهبهم في أعمال فنية خاصة بهذين المجالين وموقع الدارة وتميزه الجغرافي كلها ليست سوى عمل وطني حقيقي عملاً لا قولاً للمساهمة في إبراز ما تزخر به المملكة من معانٍ وقيم حضارية تدفع إلى الافتخار والتباهي، وهذا ما يدعوني إلى مطالبة كل من الهيئة العليا للسياحة وأمانة محافظة جدة ووزارة الثقافة والإعلام إلى الاهتمام بهكذا (دارة) وجعلها معلماً من معالم مدينة جدة وإبرازها لتتحول إلى مبتغى زائرين ومتابعين ومتخصصين من داخل المملكة وخارجها للفن المحلي في صوره الإبداعية المتألقة وليكون عاملاً من عوامل تنمية الحس الحضاري لأبناء مجتمعنا السعودي عسى أن نُعَدِّل جزءاً من الانحرافية التي صبغت العقلية المحلية في حبها ومتابعتها للماديات!!