لم نستطع الوصول إلى دائرة الحرم الشريف بسهولة. وكان معنا مَن اتّخذ عمرة رمضان عادةً، يذهب من جدة إلى مكة كل يوم، يطوف، ويسعى، ويصلي العصر، ثم يعود. لا يمنعه من ذلك حر أو زحمة، قلت له: كم من أمثالك يفعلون فعلك؟ قال: بالآلاف. قلت له: ألا يجدر أن نترك المكان للملهوفين القادمين من أماكن بعيدة؟ لكنه أسكتني بالقول: عمرة في رمضان كحجة معي. وذهبنا لنرتاح قليلاً في صالة أحد الفنادق القريبة من الحرم استعدادًا للطواف والسعي. كان حديث معظم مَن التقينا في تلك الصالة العامرة بالناس “المونوريل”، وهل باستطاعته أن يحل أزمة الوصول إلى الحرم؟ أو ما هي الحلول لفك هذا الاختناق، في زمن يشهد إقبالاً لا نظير له على الأماكن المقدسة، وفي عهد يشهد توسعة كبرى للمسجد الحرام؟ لم يكن أحد يتصوّر أن تبلغ هذا المدى، تركت الكل ينشغل بتأليف الحلول، وعدت بذاكرتي إلى أجمل سنوات عمري، يوم كانت هذه المدينة تغطينا سماؤها لتتجسد أمامي أحياؤها، وشوارعها، وأزقتها، وناسها، وأشياء كثيرة، تمنيتُ وأنا أقف على أطلال أحياء زالت، وأحياء تجري إزالتها، وأحياء سوف تأتي عليها الإزالة، أن نبقي على الأقل أسماء تلك الأحياء بنقلها إلى أماكن أخرى، إنها جزء من مكة وتاريخها وتراثها، عاش الناس فيها لسنين طويلة، فأصبحت جزءًا من حياتهم، وستظل تسكن وجدانهم. وفي مكة معالم كثيرة، فقدناها بسبب الاجتهادات المتضاربة!!